قال الله تعالى : [ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف.. إلى .. وإنك لمن
المرسلين ] سورة البقرة من آية (242) إلى نهاية آية (252).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحكام الأسرة ، ذكر بعدها أحكام الجهاد ، وذلك لحماية العقيدة
وصيانة المقدسات ، وتأمين البيئة الصالحة للأسرة المسلمة ، فلا صلاح للأسرة إلا
بصلاح المجتمع ، ولا بقاء لها ولا خلود إلا ببقاء الحق وأنصاره ، ولهذا أمر تعالى
بالقتال وضرب عليه الأمثال بالأمم السابقة ، كيف جاهدت في سبيل الحق ، وانتصرت
القلة مع إيمانها على الكثرة مع كفرها وطغيانها ، فليست العبرة بكثرة أنصار
الباطل ، بل بصمود أهل الحق ، والتزامهم له وجهادهم في سبيله.
اللغة :
[ ألوف ] جمع ألف جمع كثرة وفي القلة آلاف ، ومعناه كثرة كاثرة وألوف مؤلفة
[ حذر ] خشية وخوف
[ يقبض ويبسط ] القبض : ضم الشيء والجمع عليه والمراد به هنا التقتير ، والبسط ضده
والمراد به التوسيع قال أبو تمام :
تعود بسط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله.
[ الملأ ] الأشراف من الناس سموا بذلك لأنهم يملأون العين مهابة وإجلالا
[ فصل ] انفصل من مكانه يقال : فصل عن الموضع انفصل عنه وجاوزه
[ مبتليكم ] مختبركم
[ يظنون ] يستيقنون ويعلمون
[ فئة ] الفئة : الجماعة من الناس لا واحد له كالرهط والنفر
[ أفرغ ] أفرغ الشيء صبه وأنزله.
التفسير :
[ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ] أي ألم يصل إلى سمعك أيها
المخاطب ، حال أولئك القوم الذين خرجوا من وطنهم وهم ألوف مؤلفة
[ حذر الموت ] أي خوفا من الموت وفرارا منه ، والغرض من الاستفهام التعجيب
والتشويق إلى سماع قصتهم ، وكانوا سبعين ألفا
[ فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ] أي أماتهم الله ثم أحياهم ، وهم قوم من بني
إسرائيل ، دعاهم ملكهم إلى الجهاد ، فهربوا خوفا من الموت فأماتهم الله ، ثمانية
أيام ثم أحياهم بدعوة نبيهم " حزقيل " فعاشوا بعد ذلك دهرا ، وقيل : هربوا من
الطاعون فأماتهم الله ، قال ابن كثير : وفي هذه القصة عبرة على أنه لا يغني حذر
من قدر ، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه
[ إن الله لذو فضل على الناس ] أي ذو إنعام وإحسان على الناس ، حيث يريهم من
الآيات الباهرة والحجج القاطعة ، ما يبصرهم بما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة
[ ولكن أكثر الناس لا يشكرون ] أي لا يشكرون الله على نعمه ، بل ينكرون ويجحدون
[ وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ] أي قاتلوا الكفار لإعلاء دين
الله ، لا لحظوظ النفس وأهوائها ، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم ، عليم بنياتكم
وأحوالكم ، فيجازيكم عليها ، وكما أن الحذر لا يغني من القدر ، فكذلك الفرار من
الجهاد لا يقرب أجلا ولا يبعده
[ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ] أي من الذي يبذل
ماله وينفقه في سبيل الخير ابتغاء وجه الله ، ولإعلاء كلمة الله في الجهاد وسائر
طرق الخير ، فيكون جزاؤه أن يضاعف الله تعالى له ذلك القرض أضعافاً كثيرة ؟ لأنه
قرض لأغنى الأغنياء رب العالمين جل جلاله ، وفي الحديث (من يقرض غير عديم ولا
ظلوم)
[ والله يقبض ويبسط ] أي يقتر على من يشاء ويوسع على من يشاء ابتلاء وامتحاناً
[ وإليه ترجعون ] أي يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم
[ ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ] أي ألم يصل خبر القوم إليك ؟ وهو
أسلوب تعجيب وتشويق للسامع كما تقدم ، وكانوا من بني إسرائيل وبعد وفاة موسى
عليه السلام كما دلت عليه الآية
[ إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ] أي حين قالوا لنبيهم
" شمعون " – وهو من نسل هارون – أقم لنا أميرا واجعله قائدا لنا لنقاتل معه
الأعداء في سبيل الله
[ قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ] أي قال لهم نبيهم : أخشى أن
يفرض عليكم القتال ، ثم لا تقاتلون عدوكم ، وتجبنون عن لقائه
[ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ] أي أي
سبب لنا في ألا نقاتل عدونا ، وقد أخذت منا البلاد ، وسبيت الأولاد ؟ قال تعالى
بيانا لما انطوت عليه نفوسهم من الهلع والجبن
[ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم ] أي لما فرض عليهم القتال ، نكل
أكثرهم عن الجهاد ، إلا فئة قليلة منهم صبروا وثبتوا ، وهم الذين عبروا النهر مع
طالوت ، قال القرطبي : وهذا شأن الأمم المتنعمة المائلة إلى الدعة ، تتمنى الحرب
أوقات الأنفة ، فإذا حضرت الحرب جبنت وانقادت لطبعها
[ والله عليم بالظالمين ] وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد عصيانا لأمره تعالى
[ يقبض ويبسط ] القبض : ضم الشيء والجمع عليه والمراد به هنا التقتير ، والبسط ضده
والمراد به التوسيع قال أبو تمام :
تعود بسط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله.
[ الملأ ] الأشراف من الناس سموا بذلك لأنهم يملأون العين مهابة وإجلالا
[ فصل ] انفصل من مكانه يقال : فصل عن الموضع انفصل عنه وجاوزه
[ مبتليكم ] مختبركم
[ يظنون ] يستيقنون ويعلمون
[ فئة ] الفئة : الجماعة من الناس لا واحد له كالرهط والنفر
[ أفرغ ] أفرغ الشيء صبه وأنزله.
التفسير :
[ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ] أي ألم يصل إلى سمعك أيها
المخاطب ، حال أولئك القوم الذين خرجوا من وطنهم وهم ألوف مؤلفة
[ حذر الموت ] أي خوفا من الموت وفرارا منه ، والغرض من الاستفهام التعجيب
والتشويق إلى سماع قصتهم ، وكانوا سبعين ألفا
[ فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ] أي أماتهم الله ثم أحياهم ، وهم قوم من بني
إسرائيل ، دعاهم ملكهم إلى الجهاد ، فهربوا خوفا من الموت فأماتهم الله ، ثمانية
أيام ثم أحياهم بدعوة نبيهم " حزقيل " فعاشوا بعد ذلك دهرا ، وقيل : هربوا من
الطاعون فأماتهم الله ، قال ابن كثير : وفي هذه القصة عبرة على أنه لا يغني حذر
من قدر ، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه
[ إن الله لذو فضل على الناس ] أي ذو إنعام وإحسان على الناس ، حيث يريهم من
الآيات الباهرة والحجج القاطعة ، ما يبصرهم بما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة
[ ولكن أكثر الناس لا يشكرون ] أي لا يشكرون الله على نعمه ، بل ينكرون ويجحدون
[ وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ] أي قاتلوا الكفار لإعلاء دين
الله ، لا لحظوظ النفس وأهوائها ، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم ، عليم بنياتكم
وأحوالكم ، فيجازيكم عليها ، وكما أن الحذر لا يغني من القدر ، فكذلك الفرار من
الجهاد لا يقرب أجلا ولا يبعده
[ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ] أي من الذي يبذل
ماله وينفقه في سبيل الخير ابتغاء وجه الله ، ولإعلاء كلمة الله في الجهاد وسائر
طرق الخير ، فيكون جزاؤه أن يضاعف الله تعالى له ذلك القرض أضعافاً كثيرة ؟ لأنه
قرض لأغنى الأغنياء رب العالمين جل جلاله ، وفي الحديث (من يقرض غير عديم ولا
ظلوم)
[ والله يقبض ويبسط ] أي يقتر على من يشاء ويوسع على من يشاء ابتلاء وامتحاناً
[ وإليه ترجعون ] أي يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم
[ ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ] أي ألم يصل خبر القوم إليك ؟ وهو
أسلوب تعجيب وتشويق للسامع كما تقدم ، وكانوا من بني إسرائيل وبعد وفاة موسى
عليه السلام كما دلت عليه الآية
[ إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ] أي حين قالوا لنبيهم
" شمعون " – وهو من نسل هارون – أقم لنا أميرا واجعله قائدا لنا لنقاتل معه
الأعداء في سبيل الله
[ قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ] أي قال لهم نبيهم : أخشى أن
يفرض عليكم القتال ، ثم لا تقاتلون عدوكم ، وتجبنون عن لقائه
[ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ] أي أي
سبب لنا في ألا نقاتل عدونا ، وقد أخذت منا البلاد ، وسبيت الأولاد ؟ قال تعالى
بيانا لما انطوت عليه نفوسهم من الهلع والجبن
[ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم ] أي لما فرض عليهم القتال ، نكل
أكثرهم عن الجهاد ، إلا فئة قليلة منهم صبروا وثبتوا ، وهم الذين عبروا النهر مع
طالوت ، قال القرطبي : وهذا شأن الأمم المتنعمة المائلة إلى الدعة ، تتمنى الحرب
أوقات الأنفة ، فإذا حضرت الحرب جبنت وانقادت لطبعها
[ والله عليم بالظالمين ] وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد عصيانا لأمره تعالى
[ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ] أي
أخبرهم نبيهم بأن الله
تعالى قد ملك عليهم (طالوت) ليكونوا تحت إمرته ، في تدبير أمر الحرب ، واختاره
ليكون أميرا عليهم
[ قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ] ؟ أي
قالوا معترضين على نبيهم : كيف يكون ملكا علينا والحال أننا أحق بالملك منه ؟ لان
فينا من هو من أولاد الملوك ، وهو مع هذا فقير لا مال له ، فكيف يكون ملكا علينا ؟
[ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ] أي أجابهم نبيهم على
ذلك الاعتراض فقال إن الله اختاره عليكم ، وهو أعلم بالمصالح منكم ، والعمدة في
الاختيار أمران : (العلم) ليتمكن به من معرفة أمور السياسة ، والأمر الثاني (قوة
البدن) ليعظم خطره في القلوب ، ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الشدائد ، وقد
خصه الله تعالى منهما بحظ وافر ، قال ابن كثير : ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا
علم ، وشكل حسن ، وقوة شديدة في بدنه ونفسه ،
[ والله يؤتي ملكه من يشاء ] أي يعطي الملك لمن شاء من عباده من غير إرث أو مال
[ والله واسع عليم ] أي واسع الفضل عليم بمن هو أهل له فيعطيه إياه.. ولما طلبوا
آية تدل على اصطفاء الله لطالوت أجابهم إلى ذلك
[ وقال لهم نبيهم إن آية ملكه ] أي علامة ملكه واصطفائه عليكم
[ أن يأتيكم التابوت ] أي يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم ، وهو كما قال
الزمخشري : (صندوق التوراة) الذي كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه أمامه ،
فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون
[ فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ] أي في
التابوت السكون والطمأنينة والوقار ، وفيه أيضا بقية من آثار آل موسى وآل هارون
وهي عصا موسى وثيابه وبعض الألواح التى كتبت فيها التوراة تحمله الملائكة ، قال
ابن عباس : جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي
طالوت والناس ينظرون
[ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ] أي إن في نزول التابوت لعلامة واضحة أن
الله اختاره ليكون ملكا عليكم ، إن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر
[ فلما فصل طالوت بالجنود ] أي خرج بالجيش وانفصل عن بيت المقدس ، وجاوزه وكانوا
(ثمانين ألفا) ، أخذ بهم في أرض قفرة فأصابهم حر وعطش شديد
[ قال إن الله مبتليكم بنهر ] أي مختبركم بنهر وهو نهر الشريعة المشهور بين
الأردن وفلسطين
[ فمن شرب منه فليس مني ] أي من شرب منه فلا يصحبني – وأراد بذلك أن يختبر
إرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض بهم غمار الحرب .
[ ومن لم يطعمه فإنه مني ] أي من لم يشرب منه ولم يذقه فإن من جندى الذين يقاتلون
معي
[ إلا من اغترف غرفة بيده ] أي لكن من اغترف قليلا من الماء ليبل عطشه وينقع غلته
فلا بأس بذلك ، فأذن لهم برشفة من الماء تذهب بالعطش
[ فشربوا منه إلا قليلا منهم ] أي شرب الجيش منه إلا فئة قليلة صبرت على العطش ،
قال السدي : شرب منه ستة وسبعون ألفا وتبقى معه أربعة آلاف
[ فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ] أي لما اجتاز النهر مع الذين صبروا على العطش
والتعب ، ورأوا كثرة عدوهم اعتراهم الخوف فقال فريق منهم
[ قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ] أي لا قدرة لنا على قتال الأعداء مع
قائد جيشهم (جالوت) ، فنحن قلة وهم كثرة كاثرة
[ قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله ] أي قال الذين يعتقدون بلقاء الله ، وهم
الصفوة الأخيار والعلماء الأبرار من أتباع طالوت
[ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ] أي كثيرا ما غلبت الجماعة القليلة
الجماعة الكثيرة ، بإرادة الله ومشيئته ، فليس النصر عن كثرة العدد وإنما النصر
من عند الله
تعالى قد ملك عليهم (طالوت) ليكونوا تحت إمرته ، في تدبير أمر الحرب ، واختاره
ليكون أميرا عليهم
[ قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ] ؟ أي
قالوا معترضين على نبيهم : كيف يكون ملكا علينا والحال أننا أحق بالملك منه ؟ لان
فينا من هو من أولاد الملوك ، وهو مع هذا فقير لا مال له ، فكيف يكون ملكا علينا ؟
[ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ] أي أجابهم نبيهم على
ذلك الاعتراض فقال إن الله اختاره عليكم ، وهو أعلم بالمصالح منكم ، والعمدة في
الاختيار أمران : (العلم) ليتمكن به من معرفة أمور السياسة ، والأمر الثاني (قوة
البدن) ليعظم خطره في القلوب ، ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الشدائد ، وقد
خصه الله تعالى منهما بحظ وافر ، قال ابن كثير : ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا
علم ، وشكل حسن ، وقوة شديدة في بدنه ونفسه ،
[ والله يؤتي ملكه من يشاء ] أي يعطي الملك لمن شاء من عباده من غير إرث أو مال
[ والله واسع عليم ] أي واسع الفضل عليم بمن هو أهل له فيعطيه إياه.. ولما طلبوا
آية تدل على اصطفاء الله لطالوت أجابهم إلى ذلك
[ وقال لهم نبيهم إن آية ملكه ] أي علامة ملكه واصطفائه عليكم
[ أن يأتيكم التابوت ] أي يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم ، وهو كما قال
الزمخشري : (صندوق التوراة) الذي كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه أمامه ،
فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون
[ فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ] أي في
التابوت السكون والطمأنينة والوقار ، وفيه أيضا بقية من آثار آل موسى وآل هارون
وهي عصا موسى وثيابه وبعض الألواح التى كتبت فيها التوراة تحمله الملائكة ، قال
ابن عباس : جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي
طالوت والناس ينظرون
[ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ] أي إن في نزول التابوت لعلامة واضحة أن
الله اختاره ليكون ملكا عليكم ، إن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر
[ فلما فصل طالوت بالجنود ] أي خرج بالجيش وانفصل عن بيت المقدس ، وجاوزه وكانوا
(ثمانين ألفا) ، أخذ بهم في أرض قفرة فأصابهم حر وعطش شديد
[ قال إن الله مبتليكم بنهر ] أي مختبركم بنهر وهو نهر الشريعة المشهور بين
الأردن وفلسطين
[ فمن شرب منه فليس مني ] أي من شرب منه فلا يصحبني – وأراد بذلك أن يختبر
إرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض بهم غمار الحرب .
[ ومن لم يطعمه فإنه مني ] أي من لم يشرب منه ولم يذقه فإن من جندى الذين يقاتلون
معي
[ إلا من اغترف غرفة بيده ] أي لكن من اغترف قليلا من الماء ليبل عطشه وينقع غلته
فلا بأس بذلك ، فأذن لهم برشفة من الماء تذهب بالعطش
[ فشربوا منه إلا قليلا منهم ] أي شرب الجيش منه إلا فئة قليلة صبرت على العطش ،
قال السدي : شرب منه ستة وسبعون ألفا وتبقى معه أربعة آلاف
[ فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ] أي لما اجتاز النهر مع الذين صبروا على العطش
والتعب ، ورأوا كثرة عدوهم اعتراهم الخوف فقال فريق منهم
[ قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ] أي لا قدرة لنا على قتال الأعداء مع
قائد جيشهم (جالوت) ، فنحن قلة وهم كثرة كاثرة
[ قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله ] أي قال الذين يعتقدون بلقاء الله ، وهم
الصفوة الأخيار والعلماء الأبرار من أتباع طالوت
[ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ] أي كثيرا ما غلبت الجماعة القليلة
الجماعة الكثيرة ، بإرادة الله ومشيئته ، فليس النصر عن كثرة العدد وإنما النصر
من عند الله
[ والله مع الصابرين ] أي معهم بالحفظ والرعاية والتأييد ،
ومن كان الله معه فهو
منصور بحول الله
[ ولما برزوا لجالوت وجنوده ] أي ظهروا في الفضاء المتسع وجها لوجه ، أمام ذلك
الجيش الجرار ، جيش (جالوت) المدرب على الحروب
[ قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ] دعوا الله ضارعين إليه بثلاث دعوات تفيد إدراك
أسباب النصر فقالوا أولا : ربنا أفض علينا صبرا يعمنا في جمعنا وفي خاصة نفوسنا
لنقوى على أعدائك
[ وثبت أقدامنا ] أي ثبتنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلا إلى قلوبنا وهي
الدعوة الثانية
[ وانصرنا على القوم الكافرين ] أي انصرنا على من كفر بك وكذب رسلك ، وهم جالوت
وجنوده وهي الدعوة الثالثة !! قال تعالى إخباراً عنهم
[ فهزموهم بإذن الله ] أي هزموا جيش جالوت بنصر الله وتأييده إجابة لدعائهم
وانكسر عدوهم رغم كثرته
[ وقتل داود جالوت ] أي وقتل داود – وكان في جيش المؤمنين مع طالوت – رأس الطغيان جالوت واندحر جيشه [ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ] أي أعطى الله تعالى (داود) الملك والنبوة ، وعلمه ما يشاء من العلم النافع الذي أفاضه عليه ، قال ابن كثير : كان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ، ويشركه في أمره ، فوفى له ، ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة
العظيمة
[ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ] أي لولا أن يدفع الله شر
الأشرار بجهاد الأخيار لفسدت الحياة ، لأن الشر إن غلب كان الخراب والدمار
[ ولكن الله ذو فضل على العالمين ] أي ذو تفضل وإنعام على البشر ، حيث لم يمكن
للشر من الاستعلاء
[ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ] أي ما قصصنا عليك يا محمد من الأمور
الغريبة ، والقصص العجيبة التى وقعت في بني إسرائيل ، هي من آيات الله وأخباره
المغيبة ، التي أوحاها إليك بالحق بواسطة جبريل الأمين
[ وإنك لمن المرسلين ] أي وإنك يا محمد لمن جملة الرسل ، الذين أرسلهم الله لتبليغ
دعوة الله عز وجل للناس.!
البلاغة :
1- قال أبو حيان : تضمنت الآية الكريمة من ضروب البلاغة وصنوف البيان أمورا
كثيرة منها الاستفهام الذي أجري مجرى التعجب في قوله [ ألم تر إلى الذين ] والحذف
بين [ موتوا ثم أحياهم ] أي " فماتوا " ثم أحياهم ، والطباق في قوله [ موتوا ] و[ أحياهم ] وكذلك في قوله [ يقبض ] و[ يبسط ] والتكرار في قوله [ فضل على الناس ] و
[ ولكن أكثر الناس ] والالتفات في [ وقاتلوا في سبيل الله ] والتشبيه بدون الأداة
في قوله [ قرضا حسنا ] شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله بالقرض الحقيقي
فأطلق اسم القرض عليه ، والتجنيس المغاير في قوله [ فيضاعفه ] وقوله [ أضعافا ]
2- [ أفرغ علينا صبرا ] فيه استعارة تمثيلية ، فقد شبه حالهم والله تعالى يفيض
عليهم الصبر ، بحال الماء يصب ويفرغ على الجسم فيعمه كله ، ظاهره وباطنه فيلقي في
القلب برداً وسلاماً ، وهدوءاً واطمئناناً.
الفوائد :
الأولى : أسند الاستقراض إلى الله في قوله [ من ذا الذي يقرض الله ] وهو المنزه عن
الحاجات ، ترغيبا في الصدقة ، كما أضاف الإحسان إلى المريض والجائع والعطشان ، إلى
نفسه تعالى في قوله جل وعلا في الحديث القدسي [ ابن آدم مرضت فلم تعدني ] و
(استطعمتك فلم تطعمني) و(استسقيتك فلم تسقني) تعظيما وتفخيما لشأن الإحسان
للعباد.
الثانية : روي أنه لما نزلت الآية الكريمة جاء " أبو الدحداح الانصاري " إلى رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله : وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا
الدحداح! قال : أرني يدك يا رسول الله ، فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي
– أي بستاني وكان فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها – فجاء أبو الدحداح
منصور بحول الله
[ ولما برزوا لجالوت وجنوده ] أي ظهروا في الفضاء المتسع وجها لوجه ، أمام ذلك
الجيش الجرار ، جيش (جالوت) المدرب على الحروب
[ قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ] دعوا الله ضارعين إليه بثلاث دعوات تفيد إدراك
أسباب النصر فقالوا أولا : ربنا أفض علينا صبرا يعمنا في جمعنا وفي خاصة نفوسنا
لنقوى على أعدائك
[ وثبت أقدامنا ] أي ثبتنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلا إلى قلوبنا وهي
الدعوة الثانية
[ وانصرنا على القوم الكافرين ] أي انصرنا على من كفر بك وكذب رسلك ، وهم جالوت
وجنوده وهي الدعوة الثالثة !! قال تعالى إخباراً عنهم
[ فهزموهم بإذن الله ] أي هزموا جيش جالوت بنصر الله وتأييده إجابة لدعائهم
وانكسر عدوهم رغم كثرته
[ وقتل داود جالوت ] أي وقتل داود – وكان في جيش المؤمنين مع طالوت – رأس الطغيان جالوت واندحر جيشه [ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ] أي أعطى الله تعالى (داود) الملك والنبوة ، وعلمه ما يشاء من العلم النافع الذي أفاضه عليه ، قال ابن كثير : كان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ، ويشركه في أمره ، فوفى له ، ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة
العظيمة
[ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ] أي لولا أن يدفع الله شر
الأشرار بجهاد الأخيار لفسدت الحياة ، لأن الشر إن غلب كان الخراب والدمار
[ ولكن الله ذو فضل على العالمين ] أي ذو تفضل وإنعام على البشر ، حيث لم يمكن
للشر من الاستعلاء
[ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ] أي ما قصصنا عليك يا محمد من الأمور
الغريبة ، والقصص العجيبة التى وقعت في بني إسرائيل ، هي من آيات الله وأخباره
المغيبة ، التي أوحاها إليك بالحق بواسطة جبريل الأمين
[ وإنك لمن المرسلين ] أي وإنك يا محمد لمن جملة الرسل ، الذين أرسلهم الله لتبليغ
دعوة الله عز وجل للناس.!
البلاغة :
1- قال أبو حيان : تضمنت الآية الكريمة من ضروب البلاغة وصنوف البيان أمورا
كثيرة منها الاستفهام الذي أجري مجرى التعجب في قوله [ ألم تر إلى الذين ] والحذف
بين [ موتوا ثم أحياهم ] أي " فماتوا " ثم أحياهم ، والطباق في قوله [ موتوا ] و[ أحياهم ] وكذلك في قوله [ يقبض ] و[ يبسط ] والتكرار في قوله [ فضل على الناس ] و
[ ولكن أكثر الناس ] والالتفات في [ وقاتلوا في سبيل الله ] والتشبيه بدون الأداة
في قوله [ قرضا حسنا ] شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله بالقرض الحقيقي
فأطلق اسم القرض عليه ، والتجنيس المغاير في قوله [ فيضاعفه ] وقوله [ أضعافا ]
2- [ أفرغ علينا صبرا ] فيه استعارة تمثيلية ، فقد شبه حالهم والله تعالى يفيض
عليهم الصبر ، بحال الماء يصب ويفرغ على الجسم فيعمه كله ، ظاهره وباطنه فيلقي في
القلب برداً وسلاماً ، وهدوءاً واطمئناناً.
الفوائد :
الأولى : أسند الاستقراض إلى الله في قوله [ من ذا الذي يقرض الله ] وهو المنزه عن
الحاجات ، ترغيبا في الصدقة ، كما أضاف الإحسان إلى المريض والجائع والعطشان ، إلى
نفسه تعالى في قوله جل وعلا في الحديث القدسي [ ابن آدم مرضت فلم تعدني ] و
(استطعمتك فلم تطعمني) و(استسقيتك فلم تسقني) تعظيما وتفخيما لشأن الإحسان
للعباد.
الثانية : روي أنه لما نزلت الآية الكريمة جاء " أبو الدحداح الانصاري " إلى رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله : وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا
الدحداح! قال : أرني يدك يا رسول الله ، فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي
– أي بستاني وكان فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها – فجاء أبو الدحداح
رواية قالت : ربح بيعك يا أبا الدحداح وخرجت منه مع عيالها.
الثالثة : قال البقاعي : ولعل ختام أخبار بني إسرائيل بهذه القصة ، لما فيها النبي
(صلى الله عليه وسلم) من واضح الدلالة على صحة رسالته ، لأنها مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق
علماء بني إسرائيل..
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء