قال الله تعالى : [ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض .. إلى .. والكافرون هم
الظالمون ]
سورة البقرة من آية (253) إلى نهاية آية (254).
المناسبة :
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة اصطفاء طالوت على بني إسرائيل ، وتفضيل داود
عليهم بالملك والنبوة ، ذكر في هذه الآية أن المرسلين ليسوا في درجة واحدة ، بل
بعضهم أفضل من بعض كما يكون التفاضل بين البشر.
اللغة :
[ درجات ] جمع درجة وهي المنزلة الرفيعة السامية
[ البينات ] المعجزات
[ وأيدناه ] قويناه من التأييد بمعنى التقوية
[ روح القدس ] القدس : الطهارة ، وروح القدس " جبريل " عليه السلام وقد تقدم
[ خلة ] الخلة : الصداقة والمودة سميت بذلك لأنها تتخلل الجسد
[ شفاعة ] مأخوذة من الشفع بمعنى الضم ، والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له
وسائلا عونه.
التفسير :
[ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ] أي أولئك الرسل الكرام الذين قصصنا عليك من
أنبائهم يا محمد ، هم رسل الله حقا ، وقد فضلنا بعضهم على بعض ، في الرفعة
والمنزلة والمراتب العالية
[ منهم من كلم الله ] أي منهم من خصه الله بالتكليم بلا واسطة كموسى عليه السلام
[ ورفع بعضهم درجات ] أي ومنهم من خصه الله بالمرتبة الرفيعة السامية كخاتم
المرسلين (محمد) (صلى الله عليه وسلم) فهو سيد الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وكأبي
الأنبياء إبراهيم الخليل
[ وآتينا عيسى ابن مريم البينات ] أي ومنهم من أعطاه الله المعجزات الباهرات ،
كإحياء الموتى ، وإبراء الأعمى والأبرص ، والإخبار عن المغيبات
[ وأيدناه بروح القدس ] أي قويناه بجبريل الأمين وهو " عيسى ابن مريم "
[ ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيانات ] أي لو أراد
الله ما اقتتل الأمم الذين جاءوا بعد الرسل ، من بعد الحجج الباهرة والبراهين
الساطعة التي جاءتهم بها رسلهم ، فلو شاء الله ما تنازعوا ولا اختلفوا ولا
تقاتلوا ، ولجعلهم متفقين على اتباع الرسل ، كما أن الرسل متفقون على كلمة الحق
[ ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ] أي ولكن الله لم يشأ هدايتهم بسبب
اختلافهم في الدين ، وتشعب مذاهبهم وأهوائهم ، فمنهم من ثبت على الإيمان ، ومنهم
من حاد وكفر
[ ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ] أي لو شاء الله جل وعلا لجعل
البشر على طبيعة الملائكة ، لا يتنازعون ولا يقتتلون ، ولكن الله حكيم يفعل ما
فيه المصلحة ، وكل ذلك عن قضاء الله وقدره ، فهو الفعال لما يريد
[ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ] أي أنفقوا في سبيل الله من مال الله
الذي منحكم إياه ، ادفعوا الزكاة ، وأنفقوا في وجوه الخير والبر والصالحات
[ من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ] أي من قبل مجيء ذلك اليوم
الرهيب ، الذي لا تستطيعون أن تفتدوا منه نفوسكم بمال تقدمونه فيكون كالبيع ، ولا
تجدون صديقا يدفع عنكم العذاب ، ولا شفيعاً لكم ليحط عنكم من سيئاتكم ، إلا أن
يأذن الله رب العالمين
[ والكافرون هم الظالمون ] أي لا أحد أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا ، والكافر
بالله هو الظالم المعتدي ، الذي يستحق العقاب ، لأنه ظلم نفسه بالكفر.
البلاغة :
1- [ تلك الرسل ] الإشارة بالبعيد " تلك " لبعد مرتبتهم في الكمال.
2- [ منهم من كلم الله.. ] الآية تفصيل لذلك التفضيل ويسمى هذا في البلاغة :
التقسيم ، وكذلك في قوله : [ فمنهم من آمن ومنهم من كفر ] وبين لفظ " آمن " و " كفر "
طباق.
الله ] .
4- [ والكافرون هم الظالمون ] فيه قصر الصفة على الموصوف ، وقد أكدت بالجملة
الأسمية وبضمير الفصل ، فكأن الظلم قاصر عليهم لا يجاوزهم إلى غيرهم.
فائدة :
روي عن عطاء بن دينار أنه قال : الحمد لله الذي قال [ والكافرون هم الظالمون ] ولم
يقل " والظالمون هم الكافرون " ومراده أنه لو نزل هكذا لكان قد حكم على كل ظالم
بالكفر ، فلم يخلص منه إلا من عصمه الله تعالى.
تنبيه :
يحتمل أن يراد بالكفر المعنى الحقيقي أو المجازي فيكون المراد بالكافر تارك
الزكاة ، كما ذهب إليه الزمخشري حيث قال أراد والتاركون للزكاة هم الظالمون ،
وإيثاره عليه للتغليظ والتهديد كما في آية الحج [ ومن كفر ] مكان [ ومن لم يحج ]
ولأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله تعالى [ وويل للمشركين الذين لا
يؤتون الزكاة ] .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء