قال الله تعالى : [ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى.. إلى .. كذلك يبيتن الله
لكم آياته لعلكم تعقلون ] سورة البقرة من آية (238) إلى نهاية آية (242).
المناسبة :
توسطت آيات المحافظة على الصلاة خلال الآيات الكريمة المتعلقة بأحكام الأسرة ،
وعلاقات الزوجين عند الطلاق أو الافتراق وذلك لحكمة بليغة ، وهي أن الله تعالى
لما أمر بالعفو والتسامح وعدم نسيان الفضل بعد الطلاق ، بين بعد ذلك أمر الصلاة ،
لأنها أعظم وسيلة إلى نسيان هموم الدنيا وأكدارها ، ولهذا كان (صلى الله عليه وسلم) إذا حزبه هم
فزع إلى الصلاة ، فالطلاق يولد الشحناء والبغضاء ، والصلاة تدعو إلى الإحسان
والتسامح ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وذلك أفضل طريق لتربية النفس الإنسانية.
اللغة :
[ حافظوا ] المحافظة : لمداومة على الشيء والمواظبة عليه
[ الوسطى ] مؤنث الأوسط ، ووسط الشيء خيره وأعدله ، قال اعرابي يمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم).
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم وأكرم الناس أما برة وأبا
[ قانتين ] أصل القنوت في اللغة : المداومة على الشيء ، وقد خصه القرآن بالدوام على
الطاعة والملازمة لها ، على وجه الخشوع والخضوع قال تعالى [ يا مريم اقتني لربك ]
[ فرجالا ] جمع راجل وهو القائم على القدمين ، قال الراغب : اشتق من الرجل راجل ،
للماشي بالرجل ويقال : رجل راجل أي قوي على المشي
[ ركبانا ] جمع راكب وهو من يركب الفرس والدابة ونحوهما.
التفسير :
[ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ] أي واظبوا أيها المؤمنون وداوموا على أداء
[ وقوموا لله قانتين ] أي داوموا على العبادة والطاعة بالخشوع والخضوع ، وقوموا
لله فى صلاتكم خاشعين
[ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ] أي فإذا كنتم في خوف من عدو أو غيره ، فصلوا ماشين
على الأقدام أو راكبين على الدواب
[ فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ] أي فإذا زال الخوف
وجاء الأمن ، فأقيموا الصلاة مستوفية لجميع الأركان ، كما أمركم الله وعلى الوجه
الذي شرعه لكم ، وهذه الآية كقوله [ فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ] والذكر في
الآية يراد به (الصلاة) الكاملة المستوفية للأركان ، قال الزمخشري : المعنى :
اذكروه بالعبادة كما أحسن إليكم بما علمكم من الشرائع ، وكيف تصلون في حال الخوف
والأمن.. ثم قال تعالى مبيناً أحكام العدة [ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ]
أي والذين يموتون من رجالكم ويتركون زوجاتهم على هؤلاء أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا ، ينفق عليهن من تركته ، ولا يخرجن من مساكنهن
– وكان ذلك في أول الإسلام – ثم نسخت المدة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام
[ فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف ] أي فإن خرجن مختارات
راضيات ، فلا إثم عليكم يا أولياء الميت في تركهن أن يفعلن ما لا ينكره الشرع ،
كالتزين والتطيب والتعرض للخطاب إذا انتهت عدتهن [ والله عزيز حكيم ] أي هو سبحانه غالب في ملكه ، حكيم في صنعه
[ وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ] أي واجب على الأزواج أن يمتعن
المطلقات بقدر استطاعتهم ، جبرا لوحشة الفراق ، وهذه المتعة حق لازم على المؤمنين
المتقين لله
[ كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ] أي مثل ذلك البيان الشافي ، الذي يوجه
النفوس نحو المودة والرحمة ، يبين الله سبحانه لكم آياته الدالة على أحكامه
الشرعية ، لتعقلوا ما فيها وتعملوا بموجبها.
البلاغة :
1- [ الصلاة الوسطى ] هو من باب عطف " الخاص على العام " لبيان مزيد فضل صلاة
العصر.
2- [ فإن خفتم ] [ فإذا أمنتم ] بين لفظ " خفتم " و " أمنتم " طباق ، وهو من المحسنات
البديعية ، قال أبو السعود : وفي إيراد الشرطية بكلمة " إن " المنبئة عن عدم تحقق
وقوع الخوف ، وإيراد الثانية بكلمة " إذا " المنبئة عن تحقق وقوع الأمن وكثرته مع
الإيجاز في جواب الأولى والإطناب في جواب الثانية ، من الجزالة ولطف الاعتبار ،
ما فيه عبرة لأولي الأبصار.
تنبيه :
الصلاة الوسطى على الراجح من الأقوال هي (صلاة العصر) لأنها وسط بين الفجر
والظهر والمغرب والعشاء ، ويقوي هذا ما ورد في الصحيحين " شغلونا عن الصلاة
الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " وفي الحديث " الذي تفوته صلاة
العصر فكأنما وتر أهله وماله " أخرجه الشيخان وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة
الدالة على فضل صلاة العصر وأهميتها.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء