قال الله تعالى : [ الذين يأكلون الربا لا يقومون.. إلى .. ثم توفى كل نفس ما
كسبت وهم لا يظلمون ] سورة البقرة من آية (275) إلى نهاية آية (281).
المناسبة :
لما أمر تعالى بالإنفاق من طيبات ما كسبوا ، وحض على الصدقة ورغب في الإنفاق في سبيل الله ، ذكر هنا ما يقابل ذلك وهو الربا : الكسب الخبيث ذو الوجه الكالح الطالح ، الذي هو شح وقذارة ودنس ، بينما الصدقة عطاء وسماحة وطهارة ، وقد جاء
عرضه مباشرة بعد عرض ذلك الوجه الطيب ، في الإنفاق في سبيل الله ، ليظهر الفارق
بجلاء بين الكسب الطيب والكسب الخبيث ، كما قيل : " وبضدها تتميز الأشياء " .
اللغة :
[ الربا ] لغة : الزيادة يقال : ربا الشيء إذا زاد ومنه الربوة والرابية ، وشرعاً :
زيادة على أصل المال ، يأخذها الدائن من المدين مقابل الأجل
[ يتخبطه ] التخبط : الضرب على غير استواء ، كخبط البعير الأرض بأخفافه ، ويقال للذي
يتصرف ولا يهتدي : خبط في عشواء وتورط في عمياء ، وتخبطه الشيطان إذا مسه بخبل أوجنون
[ المس ] الجنون وأصله من المس باليد ، كأن الشيطان يمس الإنسان فيحصل به الجنون
[ سلف ] مضى وانقضى ومنه سالف الدهر أي ماضيه
[ يمحق ] المحق : نقصان الشيء حالا بعد حال ومنه المحاق في الهلال ، يقال محقه الله
فانمحق وامتحق
[ أثيم ] كثير الإثم ، وهو المتمادي في الذنوب والآثام.
سبب النزول :
كان لبني (عمرو من ثقيف) ديون ربا على بني المغيرة فلما حل الأجل أرادوا أن يتقاضوا الربا منهم ، فنزلت الآية [ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.. ] الآية فقالت ثقيف : لا يد لنا " أي لا طاقة لنا " بحرب الله ورسوله ، وتابوا وأخذوا رءوس أموالهم فقط.
التفسير :
[ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ] أي
الذين يتعاملون بالربا ويمتصون دماء الناس ، لا يقومون من قبورهم يوم القيامة ،
إلا كما يقوم المصروع من جنونه ، يتعثر ويقع ، ولا يستطيع أن يمشي سويا ، يقومون
مخبولين كالمصروعين ، تلك سيماهم يعرفون بها عند الموقف ، هتكا لهم وفضيحة
[ ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ] أي ذلك التخبط والتعثر بسبب استحلالهم ما حرمه الله ، وقوله : الربا كالبيع ، فلماذا يكون حراما ؟ قال تعالى ردا عليهم
[ وأحل الله البيع وحرم الربا ] أي أحل الله البيع لما فيه من تبادل المنافع ،
وحرم الربا لما فيه من الضرر الفادح ، بالفرد والمجتمع ، لأن فيه زيادة مقتطعة من
جهد المدين ولحمه ، وهو ظلم صارخ ، فيه تهديم لاقتصاد المجتمع
[ فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ] أي من بلغه نهي الله عن الربا
فانتهى عن التعامل به ، فلما ما مضى قبل التحريم
[ وأمره إلى الله ] أي أمره موكول إلى الله ، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه
[ ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] أي ومن عاد إلى التعامل بالربا
واستحله بعد تحريم الله له ، فهو من المخلدين في نار جهنم ، وإنما يخلد في النار ،
لأنه استحل ما حرم الله ، واستحلال الحرام خروج عن الملة وكفر بالله
[ يمحق الله الربا ويربى الصدقات ] أي يذهب ريعه ويمحو خيره وإن كان زيادة في
الظاهر ، ويكثر الصدقات وينميها وإن كانت نقصانا في الظاهر
[ والله لا يحب كل كفار أثيم ] أي لا يحب كل كفور القلب ، أثيم القول والفعل ، وفي
الآية تغليظ في أمر الربا ، وإيذان بأنه منه فعل الكفار.. ثم قال تعالى مادحا
المؤمنين المطيعين أمره في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
[ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ] أي صدقوا بالله
وعملوا الصالحات التي من جملتها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
[ لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ] أي لهم
ثوابهم الكامل في
الجنة ، ولا يخافون يوم الفزع الأكبر ، ولا يحزنون على ما فاتهم في الدنيا
[ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ] أي
اخشوا ربكم وراقبوه فيما تفعلون ، واتركوا ما لكم من الربا عند الناس ، إن كنتم
مؤمنين بالله حقا
[ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ] أي وإن لم تتركوا التعامل بالربا ،
فأيقنوا بحرب الله ورسوله لكم ، قال ابن عباس : يقال لآكل الربا يوم القيامة : خذ
سلاحك للحرب ((تجرأ بعض المفتونين بالجاه والمنصب ، ممن ينتسب إلى أهل العلم ،
بتحليل (فوائد البنوك) الربوية ، وزعم أنه نوع من الاستثمار ، وهو تضليل للأمة
خطير ، تحت ستار (الفتوى) وقد باء بالخزي والعار ، وغضب الجبار ، وقد رددت عليه في رسالة خاصة بعنوان (جريمة الربا أخطر الجرائم الدينية والاجتماعية) ونسأل الله
أن يعصم الأمة ، من فتنة علماء السوء ، الذين حذر منهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله :
(إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين))!!
[ وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ] أي إن رجعتم عن الربا
وتركتموه ، فلكم أصل المال الذي دفعتموه من غير زيادة ولا نقصان
[ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ] أي إذا كان المستدين معسرا ، فعليكم أن
تمهلوه إلى وقت اليسر ، لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه : إما أن تقضي
وإما أن تربي
[ وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ] أي إن تجاوزتم عما لكم عنده فهو أكرم
وأفضل ، إن كنتم تعلمون ما فيه من الذكر الجميل والأجر العظيم.. ثم حذر تعالى
عباده من ذلك اليوم الرهيب ، الذي لا ينفع فيه إلا العمل الصالح فقال سبحانه :
[ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ] أي
احذروا يوما سترجعون فيه إلى ربكم ، ثم توفى كل نفس حسابها وأنتم لا تظلمون ، وقد
ختمت هذه الآيات الكريمة بهذه الآية الجامعة المانعة التي كانت آخر ما نزل من
القرآن ، وبنزولها انقطع الوحي ، وفيها تذكير العباد بذلك اليوم العصيب الشديد ،
قال ابن كثير : هذه الآية آخر ما نزل من القرآن العظيم ، وقد عاش النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد
نزولها تسع ليال ، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى (صلى الله عليه وسلم).
البلاغة :
1- [ إنما البيع مثل الربا ] فيه تشبيه يسمى (التشبيه المقلوب) وهو أعلى مراتب
التشبيه ، حيث يجعل المشبه مكان المشبه به كقول الشاعر : كأن ضياء الشمس غرة
جعفر. والأصل في الآية أن يقال : الربا مثل البيع ولكنه بلغ من اعتقادهم في حل
الربا أن جعلوه أصلا يقاس عليه فشبهوا به البيع ، وهذا منتهى الفجور والعدوان.
2- [ أحل الله البيع وحرم الربا ] بين لفظ " أحل " و " حرم " طباق ، وكذلك بين لفظ
" يمحق " و " يربي " .
3- [ كفار أثيم ] صيغة فعال وفعيل للمبالغة فقوله [ كفار أثيم ] صيغتان للمبالغة ،
أي عظيم الكفر ، شديد الإثم والعدوان.
4- [ فأذنوا بحرب ] التنكير للتهويل أي بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره كائن من
عند الله ، أفاده أبو السعود.
5- [ لا تظلمون ولا تظلمون ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى " الجناس الناقص "
لاختلاف حركات بعض الحروف.
6- [ واتقوا يوما ] التنكير للتفخيم والتهويل.
الفوائد :
الأولى عبر بقوله [ يأكلون الربا ] عن الانتفاع به لأن الأكل هو الغالب في المنافع ، وسواء في ذلك المعطي والآخذ لقول جابر في الحديث الشريف " لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء " .
الثانية : شبه تعالى المرابين بالمصروعين الذين تتخبطهم الشياطين ، وذلك لأن الله
عز وجل أربى فى بطونهم ما أكلوا من الربا ، فأثقلهم فصاروا مخبلين ينهضون
ويسقطون ، قال سعيد بن جبير : تلك علامة آكل الربا يوم القيامة.
الجنة ، ولا يخافون يوم الفزع الأكبر ، ولا يحزنون على ما فاتهم في الدنيا
[ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ] أي
اخشوا ربكم وراقبوه فيما تفعلون ، واتركوا ما لكم من الربا عند الناس ، إن كنتم
مؤمنين بالله حقا
[ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ] أي وإن لم تتركوا التعامل بالربا ،
فأيقنوا بحرب الله ورسوله لكم ، قال ابن عباس : يقال لآكل الربا يوم القيامة : خذ
سلاحك للحرب ((تجرأ بعض المفتونين بالجاه والمنصب ، ممن ينتسب إلى أهل العلم ،
بتحليل (فوائد البنوك) الربوية ، وزعم أنه نوع من الاستثمار ، وهو تضليل للأمة
خطير ، تحت ستار (الفتوى) وقد باء بالخزي والعار ، وغضب الجبار ، وقد رددت عليه في رسالة خاصة بعنوان (جريمة الربا أخطر الجرائم الدينية والاجتماعية) ونسأل الله
أن يعصم الأمة ، من فتنة علماء السوء ، الذين حذر منهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله :
(إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين))!!
[ وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ] أي إن رجعتم عن الربا
وتركتموه ، فلكم أصل المال الذي دفعتموه من غير زيادة ولا نقصان
[ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ] أي إذا كان المستدين معسرا ، فعليكم أن
تمهلوه إلى وقت اليسر ، لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه : إما أن تقضي
وإما أن تربي
[ وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ] أي إن تجاوزتم عما لكم عنده فهو أكرم
وأفضل ، إن كنتم تعلمون ما فيه من الذكر الجميل والأجر العظيم.. ثم حذر تعالى
عباده من ذلك اليوم الرهيب ، الذي لا ينفع فيه إلا العمل الصالح فقال سبحانه :
[ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ] أي
احذروا يوما سترجعون فيه إلى ربكم ، ثم توفى كل نفس حسابها وأنتم لا تظلمون ، وقد
ختمت هذه الآيات الكريمة بهذه الآية الجامعة المانعة التي كانت آخر ما نزل من
القرآن ، وبنزولها انقطع الوحي ، وفيها تذكير العباد بذلك اليوم العصيب الشديد ،
قال ابن كثير : هذه الآية آخر ما نزل من القرآن العظيم ، وقد عاش النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد
نزولها تسع ليال ، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى (صلى الله عليه وسلم).
البلاغة :
1- [ إنما البيع مثل الربا ] فيه تشبيه يسمى (التشبيه المقلوب) وهو أعلى مراتب
التشبيه ، حيث يجعل المشبه مكان المشبه به كقول الشاعر : كأن ضياء الشمس غرة
جعفر. والأصل في الآية أن يقال : الربا مثل البيع ولكنه بلغ من اعتقادهم في حل
الربا أن جعلوه أصلا يقاس عليه فشبهوا به البيع ، وهذا منتهى الفجور والعدوان.
2- [ أحل الله البيع وحرم الربا ] بين لفظ " أحل " و " حرم " طباق ، وكذلك بين لفظ
" يمحق " و " يربي " .
3- [ كفار أثيم ] صيغة فعال وفعيل للمبالغة فقوله [ كفار أثيم ] صيغتان للمبالغة ،
أي عظيم الكفر ، شديد الإثم والعدوان.
4- [ فأذنوا بحرب ] التنكير للتهويل أي بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره كائن من
عند الله ، أفاده أبو السعود.
5- [ لا تظلمون ولا تظلمون ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى " الجناس الناقص "
لاختلاف حركات بعض الحروف.
6- [ واتقوا يوما ] التنكير للتفخيم والتهويل.
الفوائد :
الأولى عبر بقوله [ يأكلون الربا ] عن الانتفاع به لأن الأكل هو الغالب في المنافع ، وسواء في ذلك المعطي والآخذ لقول جابر في الحديث الشريف " لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء " .
الثانية : شبه تعالى المرابين بالمصروعين الذين تتخبطهم الشياطين ، وذلك لأن الله
عز وجل أربى فى بطونهم ما أكلوا من الربا ، فأثقلهم فصاروا مخبلين ينهضون
ويسقطون ، قال سعيد بن جبير : تلك علامة آكل الربا يوم القيامة.
الربوي) ، إن العالم الذي نعيش فيه اليوم هو عالم القلق والاضراب ، والخوف
والأمراض العصبية والنفسية ، وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية ،
وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي ، ثم هو عالم الحروب الشاملة ، والتهديد
الدائم بالحروب المبيدة وحرب الأعصاب ، والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك " .
أقول : هذا قول مقبول ، ورأي حسن.
الرابعة : أخرج البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : " كان رجل يداين
الناس فكان يقول لفتاه ، إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه ، لعل الله أن يتجاوز عنا ،
فلقي الله فتجاوز عنه " .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء