قال الله تعالى : [ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن.. إلى .. إنك أنت العزيز الحكيم ] سورة البقرة من آية (124) إلى نهاية آية (129).
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى نعمه على بني إسرائيل ، وكيف كانوا يقابلون النعم بالكفر والعناد ، وصل حديثهم بقصة (إبراهيم) أبي الأنبياء ، الذي يزعم اليهود والنصارى انتماءهم إليه ، ولو كانوا صادقين لوجب عليهم اتباع هذا النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) ودخولهم في دينه القويم ، لأنه من ولد إسماعيل عليه السلام ، فكان أولى بالاتباع والتمسك بشريعته الحنيفية السمحة ، التي هي شريعة الخليل عليه السلام.
اللغة :
[ ابتلى ] امتحن والابتلاء : الاختبار
[ فأتمهن ] أتى بهن على وجه التمام والكمال
[ إماما ] الإمام : القدوة الذي يؤتم به في الأقوال والأفعال
[ مثابة ] مرجعاً من ثاب يثوب إذا رجع ، أي إنهم يأتون ويترددون إليه لا يقضون منه وطرهم ، قال الشاعر :
جعل البيت مثابا لهم ليس منه الدهر يقضون الوطر.
[ وأمنا ] الأمن : السلامة من الخوف والطمأنينة في النفس والأهل
[ وعهدنا ] أمرنا وأوحينا
[ للطائفين ] جمع طائف من الطواف وهو الدوران حول الشيء
[ والعاكفين ] جمع عاكف من العكوف وهو الإقامة على الشيء والملازمة له ، والمراد المقيمون في الحرم بقصد العبادة
[ فأمتعه ] من التمتيع وهو إعطاء الإنسان ما ينتفع به كقوله : [ قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ]
[ القواعد ] جمع قاعدة وهي الأساس
[ مناسكنا ] جمع منسك وهي العبادة والطاعة
[ الحكمة ] العلم النافع المصحوب بالعمل ، والمراد بها السنة النبوية المطهرة
[ ويزكيهم ] من التزكية وهي في الأصل التنمية يقال : زكى الزرع إذا نما ثم استعملت في معنى الطهارة النفسية قال تعالى : [ قد أفلح من زكاها ] .
التفسير :
[ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ] أي اذكر يا محمد حين اختبر الله عبده إبراهيم الخليل ، وكلفه بجملة من التكاليف الشرعية " أوامر ونواه " فقام بهن خير قيام
[ قال إني جاعلك للناس إماما ] أي قال له ربه : إني جاعلك يا إبراهيم قدوة للناس ، ومنارا يهتدي بك الخلق
[ قال ومن ذريتي ] أي قال إبراهيم : واجعل يا رب أيضا أئمة من ذريتي
[ قال لا ينال عهدي الظالمين ] أي لا ينال هذا الفضل العظيم أحد من الكافرين
[ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ] أي واذكر حين جعلنا الكعبة المعظمة مرجعا للناس ، يقبلون عليه من كل بلد وقطر
[ وأمنا ] أي مكان أمن ، يأمن من لجأ إليه ، وذلك لما أودع الله في قلوب العرب من تعظيمه وإجلاله
[ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ] أي وقلنا للناس : اتخذوا من المقام – وهو الحجر الذي كان يقوم عليه إبراهيم لبناء الكعبة – مصلى أي صلوا عنده
[ وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ] أي أوصينا وأمرنا إبراهيم وولده إسماعيل
[ أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ] أي
أمرنا بأن يصونا البيت من الأرجاس والأوثان ، ليكون معقلا للطائفين حوله ،
والمعتكفين الملازمين له ، والمصلين فيه ، فالآية جمعت أصناف العابدين في البيت
الحرام : (الطائفين ، والمعتكفين ، والمصلين).. ثم أخبر تعالى عن دعوة الخليل
إبراهيم فقال :
[ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ] أي اجعل هذا المكان – والمراد مكة المكرمة – بلداً ذا أمن ، يكون أهله في أمن واستقرار
[ وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ] أي وارزق يا رب المؤمنين من أهله وسكانه ، من أنواع الثمرات ، ليقبلوا على طاعتك ويتفرغوا لعبادتك ، وخص بدعوته المؤمنين فقط ، قال تعالى جوابا له
[ قال ومن كفر فأمتعه قليلا ] أي قال الله : وأرزق من كفر أيضا كما أرزق المؤمن ، أأخلق خلقا ثم لا أرزقهم ؟ أما الكافر فأمتعه في الدنيا متاعا قليلا ، وذلك مدة حياته فيها
[ ثم اضطره إلى عذاب النار ] أي ثم ألجئه فى الآخرة وأسوقه إلى عذاب النار ، فلا يجد عنها محيصا
[ وبئس المصير ] أي وبئس المآل والمرجع للكافر ، أن يكون مأواه نار جهنم.. قاس الخليل الرزق على الإمامة ، فنبهه تعالى على أن الرزق رحمة دنيوية ، شاملة للبر والفاجر ، بخلاف الإمامة فإنها خاصة بالخواص من المؤمنين ، ثم قال تعالى حكاية عن قصة بناء البيت العتيق
[ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ] أي واذكر يا أيها الرسول لقومك ذلك الأمر الغريب ، وهو رفع الرسولين العظيمين (إبراهيم وإسماعيل) قواعد البيت وقيامهما بوضع أساسه ورفع بنائه ، وهما يقولان بخضوع وإجلال
[ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ] أي يبنيان ويدعوان بهذه الدعوات الكريمة ، قائلين : يا ربنا تقبل منا أي أقبل منا عملنا هذا ، واجعله خالصاً لوجهك الكريم ، فإنك أنت السميع لدعائنا العليم بنياتنا
[ ربنا واجعلنا مسلمين لك ] أي اجعلنا خاضعين لك منقادين لحكمك
[ ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ] أي واجعل من ذريتنا من يسلم وجهه لك ويخضع لعظمتك
[ وأرنا مناسكنا ] أي وعلمنا شرائع عبادتنا ومناسك حجنا
[ وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ] أي تب علينا وارحمنا ، فإنك عظيم المغفرة واسع الرحمة
[ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ] أي ابعث في الأمة المسلمة رسولا من أنفسهم ، وهذا من جملة دعواتهما المباركة ، وقد استجاب الله الدعاء ببعثة السراج المنير محمد (صلى الله عليه وسلم)
[ يتلو عليهم آياتك ] أي يقرأ آيات القرآن
[ ويعلمهم الكتاب والحكمة ] أي يعلمهم القرآن والسنة المطهرة
[ ويزكيهم ] أي يطهرهم من رجس الشرك
[ إنك أنت العزيز الحكيم ] العزيز الذي لا يقهر ولا يغلب ، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
البلاغة :
1- التعرض لعنوان الربوبية [ ابتلى إبراهيم ربه ] تشريف له عليه السلام ، وإيذان بأن ذلك الابتلاء تربية له ، وترشيح لأمر خطير ، والمراد أنه سبحانه عامله معاملة المختبر ، حيث كلفه بأوامر ونواهي ، يظهر بها استحقاقه للإمامة العظمى.
2- إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل في قوله : [ وأمنا ] للمبالغة ، والإسناد مجازي ، أي آمنا من دخله كقوله تعالى : [ ومن دخله كان آمنا ] وخير ما فسرته بالوارد.
3- إضافة البيت إلى ضمير الجلالة [ وطهر بيتي ] للتشريف والتعظيم.
4- قوله تعالى : [ وإذ يرفع إبراهيم ] ورد التعبير بصيغة المضارع حكاية عن الماضي ، ولذلك وجه معروف في محاسن البيان ، وهو استحضار الصورة الماضية ، وكأنها مشاهدة بالعيان ، فكأن السامع ينظر ويرى إلى البنيان وهو يرتفع أمامه ، والبناء هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، قال أبو السعود : وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة المنبئة عن المعجزة الباهرة.
[ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ] أي اجعل هذا المكان – والمراد مكة المكرمة – بلداً ذا أمن ، يكون أهله في أمن واستقرار
[ وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ] أي وارزق يا رب المؤمنين من أهله وسكانه ، من أنواع الثمرات ، ليقبلوا على طاعتك ويتفرغوا لعبادتك ، وخص بدعوته المؤمنين فقط ، قال تعالى جوابا له
[ قال ومن كفر فأمتعه قليلا ] أي قال الله : وأرزق من كفر أيضا كما أرزق المؤمن ، أأخلق خلقا ثم لا أرزقهم ؟ أما الكافر فأمتعه في الدنيا متاعا قليلا ، وذلك مدة حياته فيها
[ ثم اضطره إلى عذاب النار ] أي ثم ألجئه فى الآخرة وأسوقه إلى عذاب النار ، فلا يجد عنها محيصا
[ وبئس المصير ] أي وبئس المآل والمرجع للكافر ، أن يكون مأواه نار جهنم.. قاس الخليل الرزق على الإمامة ، فنبهه تعالى على أن الرزق رحمة دنيوية ، شاملة للبر والفاجر ، بخلاف الإمامة فإنها خاصة بالخواص من المؤمنين ، ثم قال تعالى حكاية عن قصة بناء البيت العتيق
[ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ] أي واذكر يا أيها الرسول لقومك ذلك الأمر الغريب ، وهو رفع الرسولين العظيمين (إبراهيم وإسماعيل) قواعد البيت وقيامهما بوضع أساسه ورفع بنائه ، وهما يقولان بخضوع وإجلال
[ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ] أي يبنيان ويدعوان بهذه الدعوات الكريمة ، قائلين : يا ربنا تقبل منا أي أقبل منا عملنا هذا ، واجعله خالصاً لوجهك الكريم ، فإنك أنت السميع لدعائنا العليم بنياتنا
[ ربنا واجعلنا مسلمين لك ] أي اجعلنا خاضعين لك منقادين لحكمك
[ ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ] أي واجعل من ذريتنا من يسلم وجهه لك ويخضع لعظمتك
[ وأرنا مناسكنا ] أي وعلمنا شرائع عبادتنا ومناسك حجنا
[ وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ] أي تب علينا وارحمنا ، فإنك عظيم المغفرة واسع الرحمة
[ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ] أي ابعث في الأمة المسلمة رسولا من أنفسهم ، وهذا من جملة دعواتهما المباركة ، وقد استجاب الله الدعاء ببعثة السراج المنير محمد (صلى الله عليه وسلم)
[ يتلو عليهم آياتك ] أي يقرأ آيات القرآن
[ ويعلمهم الكتاب والحكمة ] أي يعلمهم القرآن والسنة المطهرة
[ ويزكيهم ] أي يطهرهم من رجس الشرك
[ إنك أنت العزيز الحكيم ] العزيز الذي لا يقهر ولا يغلب ، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
البلاغة :
1- التعرض لعنوان الربوبية [ ابتلى إبراهيم ربه ] تشريف له عليه السلام ، وإيذان بأن ذلك الابتلاء تربية له ، وترشيح لأمر خطير ، والمراد أنه سبحانه عامله معاملة المختبر ، حيث كلفه بأوامر ونواهي ، يظهر بها استحقاقه للإمامة العظمى.
2- إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل في قوله : [ وأمنا ] للمبالغة ، والإسناد مجازي ، أي آمنا من دخله كقوله تعالى : [ ومن دخله كان آمنا ] وخير ما فسرته بالوارد.
3- إضافة البيت إلى ضمير الجلالة [ وطهر بيتي ] للتشريف والتعظيم.
4- قوله تعالى : [ وإذ يرفع إبراهيم ] ورد التعبير بصيغة المضارع حكاية عن الماضي ، ولذلك وجه معروف في محاسن البيان ، وهو استحضار الصورة الماضية ، وكأنها مشاهدة بالعيان ، فكأن السامع ينظر ويرى إلى البنيان وهو يرتفع أمامه ، والبناء هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، قال أبو السعود : وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة المنبئة عن المعجزة الباهرة.
الفوائد :
الفائدة الأولى : تقديم المفعول في قوله : [ ابتلي إبراهيم ربه ] واجب لاتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول ، فلو قدم الفاعل لزم عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ، وهذا لا يصح ، قال ابن مالك :
وشاع نحو خاف ربه عمر وشذ نحو زان نوره الشجر
الثانية : الاختبار في الأصل الامتحان بالشيء ، ليعلم صدق ذلك الشخص أو كذبه ، وهو مستحيل على الله ، لأنه عالم بذلك قبل الاختبار ، فالمراد أنه عامله معاملة المختبر ، لكشف الطائع من العاصي لعباده ، فإنه تعالى عالم بعواقب الأمور.
الثالثة : اختلف المفسرون في الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم عليه السلام ، وأصح هذه الأقوال ما روي عن ابن عباس أنه قال : " الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومحاجة نمرود في الله ، وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه ، والهجرة من وطنه حين أمر بالخروج عنهم ، وما ابتلى به من ذبح ابنه إسماعيل حين أمر بذبحه " .
الرابعة : المراد من الإمامة في الآية الكريمة (الإمامة في الدين) وهي النبوة التي حرمها الظالمون ، ولو كانت الإمامة الدنيوية لخالف ذلك الواقع ، إذ نالها كثير من الظالمين ، فظهر أن المراد : الإمامة في الدين خاصة.
الخامسة : ذكر العلامة ابن القيم أن السر في تفضيل البيت العتيق ظاهر ، وذلك في انجذاب الأفئدة ، وهوى القلوب ومحبتها له ، فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد ، فهم يثوبون إليه من جميع الأقطار ، ولا يقضون منه وطرا ، بل كلما ازدادوا له زيارة ، ازدادوا له اشتياقا.
لا يرجع الطرف عنها حين يبصرها حتى يعود إليها الطرف مشتاقا
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء