قال الله تعالى [ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم.. إلى.. فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ] سورة البقرة من آية (75) إلى نهاية آية (82).
المناسبة :
لما ذكر تعالى عناد اليهود ، وعدم امتثالهم لأوامر الله تعالى ، ومجادلتهم للأنبياء الكرام ، وعدم الانقياد والإذعان ، عقب ذلك بذكر بعض القبائح والجرائم التى ارتكبوها ، كتحريف كلام الله تعالى ، وادعائهم بأنهم أحباب الله ، وأن النار لن تمسهم إلا بضعة أيام قليلة ، إلى آخر ما هم عليه من أماني كاذبة ، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، وقد بدأ تعالى الآيات بتيئيس المسلمين من إيمانهم ، لأنهم فطروا على الضلال ، وجبلوا على العناد والمكابرة.
اللغة :
[ أفتطمعون ] الطمع : تعلق النفس بشيء مطلوب تعلقا قويا ، فإذا اشتد فهو طمع ، وإذا ضعف كان رجاء ورغبة
[ فريق ] الفريق : الجماعة وهو اسم جمع ، لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم.
[ يحرفونه ] التحريف : التبديل والتغيير وأصله من الانحراف عن الشيء
[ عقلوه ] عقل الشيء أدركه بعقله ، والمراد فهموه وعرفوه
[ أميون ] جمع أمي وهي وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة ، سمى بذلك نسبة إلى الأم ، لأنه باق على الحالة التي ولدته عليه أمه ، من عدم المعرفة
[ أماني ] جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان ويشتهيه ، أو يقدره في نفسه من منى ، ولذلك تطلق على الكذب ، قال أعرابي لإنسان : " أهذا شيء رأيته أم تمنيته " أي اختلقته ، وتأتي بمعنى قرأ ، قال حسان : تمنى كتاب الله أول ليله
[ فويل ] الويل : الهلاك والدمار ، وقيل : الفضيحة والخزي ، وهي كلمة تستعمل في الشر والعذاب ، قال القاضي : هي نهاية الوعيد والتهديد كقوله : [ ويل للمطففين ] وقال سيبويه : (ويل) لمن وقع في الهلكة ، و(ويح) لمن أشرف عليها.
سبب النزول :
1- نزلت فى الأنصار كانوا حلفاء لليهود ، وبينهم جوار ورضاعة ، وكانوا يودون لو أسلموا فأنزل الله تعالى [ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم.. ] الآية.
2- وروى مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون : إن عمر هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في انار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة ، فأنزل الله تعالى : [ وقالوا لن تمسنا الله أياما معدودة ] .
التفسير :
يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين فيقول : [ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ] أي أترجون يا معشر المؤمنين أن يسلم اليهود ، ويدخلوا في دينكم ؟
[ وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ] أي والحال قد كان طائفة من أحبارهم وعلمائهم ، يتلون كتاب الله ويسمعونه بينا جليا
[ ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ] أي يغيرون آيات التوراة بالتبديل أو التأويل ، من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم
[ وهم يعلمون ] أنهم يرتكبون جريمة ، أي إنهم يخالفون أوامره وأحكامه ، عن بصيرة ، لا عن خطأ أو نسيان
[ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ] أي إذا اجتمعوا بأصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) قال المنافقون من اليهود : آمنا بأنكم على الحق ، وأن محمداً هو الرسول المبشر به
[ وإذا خلا بعضهم إلى بعض ] أي إذا انفرد واختلى بعضهم ببعض
[ قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ] أي قالوا عاتبين عليهم : أتخبرون أصحاب محمد بما بين الله لكم في التوراة ، من صفة محمد (صلى الله عليه وسلم)
[ ليحاجوكم به عند ربكم ] أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم فى الآخرة ، في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه ؟
[ أفلا تعقلون ] أي أفليست لكم عقول تمنعكم ، من أن تحدثوهم بما يكون لهم فيه حجة عليكم ؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم ، قال تعالى ردا عليهم وتوبيخا
[ أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ] أي ألا يعلم هؤلاء اليهود أن الله يعلم ما يخفون وما يظهرون ، وأنه تعالى لا تخفى عليه خافية ، فكيف يقولون ذلك ، ثم يزعمون الإيمان !! وفي هذا غاية التوبيخ لهم ، والتسفيه لعقولهم!. ولما ذكر تعالى العلماء الذين حرفوا وبدلوا ، ذكر العوام الذين قلدوهم ، ونبه أنهم في الضلال سواء ، فقال سبحانه :
[ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ] أي ومن اليهود طائفة من الجهلة العوام ، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ، ليطلعوا على ما في التوراة بأنفسهم ، ويتحققوا بما فيها
[ إلا أماني ] أي ليس لهم علم بالتوراة ، إلا ما هم عليه من الأماني الخادعة ، التي مناهم بها أحبارهم ، من أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، إلى غير ما هنالك من الأماني الفارغة
[ وإن هم إلا يظنون ] أي وما هم على يقين ثابت من أمر دينهم ، بل هم مقلدون للآباء ، تقليد أهل العمى والغباء!! ثم ذكر تعالى جريمة أولئك الرؤساء المضلين ، الذين أضلوا العامة فى سبيل حطام الدنيا فقال سبحانه :
[ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ] أي هلاك وعذاب لأولئك الأشقياء الفجار ، الذين حرفوا التوراة ، وكتبوا تلك الآيات المحرفة بأيديهم
[ ثم يقولون هذا من عند الله ] أي يقولون لأتباعهم الأميين : هذا الذي تجدونه هو من نصوص التوراة ، التي أنزلها الله على موسى عليه السلام ، مع أنهم كتبوها بأيديهم ، ونسبوها إلى الله كذبا وزورا
[ ليشتروا به ثمنا قليلا ] أي لينالوا به عرض الدنيا وحطامها الفاني
[ فويل لهم مما كتبت أيديهم ] أي فهلاك ودمار ، وشدة عذاب لهم ، على ما فعلوه من تحريف كلام الله
[ وويل لهم مما يكسبون ] أي وويل لهم مما يصيبون من الحرام والسحت
[ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ] أي لن ندخل النار إلا أياماً قلائل ، هي مدة عبادة العجل ، أو سبعة أيام فقط
[ قل أتخذتم عند الله عهدا ] ؟ أي قل لهم يا محمد على سبيل الإنكار والتوبيخ : هل أعطاكم الله الميثاق والعهد بذلك ؟ فإذا كان قد وعدكم بذلك
[ فلن يخلف الله عهده ] لأن الله لا يخلف الميعاد
[ أم تقولون على الله ما لا تعلمون ] أي أم تكذبون على الله ، فتقولون عليه ما لم يقله ، فتجمعون بين جريمة التحريف لكلام الله ، والكذب والبهتان عليه جل وعلا ؟! ثم بين تعالى كذب اليهود ، وأبطل مزاعمهم أن النار لن تمسهم ، وأنهم لا يخلدون فيها ، فقال :
[ ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ] أي يغيرون آيات التوراة بالتبديل أو التأويل ، من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم
[ وهم يعلمون ] أنهم يرتكبون جريمة ، أي إنهم يخالفون أوامره وأحكامه ، عن بصيرة ، لا عن خطأ أو نسيان
[ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ] أي إذا اجتمعوا بأصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) قال المنافقون من اليهود : آمنا بأنكم على الحق ، وأن محمداً هو الرسول المبشر به
[ وإذا خلا بعضهم إلى بعض ] أي إذا انفرد واختلى بعضهم ببعض
[ قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ] أي قالوا عاتبين عليهم : أتخبرون أصحاب محمد بما بين الله لكم في التوراة ، من صفة محمد (صلى الله عليه وسلم)
[ ليحاجوكم به عند ربكم ] أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم فى الآخرة ، في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه ؟
[ أفلا تعقلون ] أي أفليست لكم عقول تمنعكم ، من أن تحدثوهم بما يكون لهم فيه حجة عليكم ؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم ، قال تعالى ردا عليهم وتوبيخا
[ أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ] أي ألا يعلم هؤلاء اليهود أن الله يعلم ما يخفون وما يظهرون ، وأنه تعالى لا تخفى عليه خافية ، فكيف يقولون ذلك ، ثم يزعمون الإيمان !! وفي هذا غاية التوبيخ لهم ، والتسفيه لعقولهم!. ولما ذكر تعالى العلماء الذين حرفوا وبدلوا ، ذكر العوام الذين قلدوهم ، ونبه أنهم في الضلال سواء ، فقال سبحانه :
[ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ] أي ومن اليهود طائفة من الجهلة العوام ، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ، ليطلعوا على ما في التوراة بأنفسهم ، ويتحققوا بما فيها
[ إلا أماني ] أي ليس لهم علم بالتوراة ، إلا ما هم عليه من الأماني الخادعة ، التي مناهم بها أحبارهم ، من أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، إلى غير ما هنالك من الأماني الفارغة
[ وإن هم إلا يظنون ] أي وما هم على يقين ثابت من أمر دينهم ، بل هم مقلدون للآباء ، تقليد أهل العمى والغباء!! ثم ذكر تعالى جريمة أولئك الرؤساء المضلين ، الذين أضلوا العامة فى سبيل حطام الدنيا فقال سبحانه :
[ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ] أي هلاك وعذاب لأولئك الأشقياء الفجار ، الذين حرفوا التوراة ، وكتبوا تلك الآيات المحرفة بأيديهم
[ ثم يقولون هذا من عند الله ] أي يقولون لأتباعهم الأميين : هذا الذي تجدونه هو من نصوص التوراة ، التي أنزلها الله على موسى عليه السلام ، مع أنهم كتبوها بأيديهم ، ونسبوها إلى الله كذبا وزورا
[ ليشتروا به ثمنا قليلا ] أي لينالوا به عرض الدنيا وحطامها الفاني
[ فويل لهم مما كتبت أيديهم ] أي فهلاك ودمار ، وشدة عذاب لهم ، على ما فعلوه من تحريف كلام الله
[ وويل لهم مما يكسبون ] أي وويل لهم مما يصيبون من الحرام والسحت
[ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ] أي لن ندخل النار إلا أياماً قلائل ، هي مدة عبادة العجل ، أو سبعة أيام فقط
[ قل أتخذتم عند الله عهدا ] ؟ أي قل لهم يا محمد على سبيل الإنكار والتوبيخ : هل أعطاكم الله الميثاق والعهد بذلك ؟ فإذا كان قد وعدكم بذلك
[ فلن يخلف الله عهده ] لأن الله لا يخلف الميعاد
[ أم تقولون على الله ما لا تعلمون ] أي أم تكذبون على الله ، فتقولون عليه ما لم يقله ، فتجمعون بين جريمة التحريف لكلام الله ، والكذب والبهتان عليه جل وعلا ؟! ثم بين تعالى كذب اليهود ، وأبطل مزاعمهم أن النار لن تمسهم ، وأنهم لا يخلدون فيها ، فقال :
[ بلى من كسب سيئة ] أي بلى تمسكم النار وتخلدون فيها ، كما يخلد الكافر الذي عمل الكبائر ، وكذلك كل من اقترف السيئة ، والمراد بها هنا : الشرك بالله ، لأنه هو المخلد في نار الجحيم
[ وأحاطت به خطيئته ] أي غمرته من جميع جوانبه ، وسدت عليه مسالك النجاة ، بأن فعل مثل فعلكم أيها اليهود
[ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] أي فالنار ملازمة لهم ، لا يخرجون منها أبدا
[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي وأما المؤمنون الذين جمعوا بين الإيمان ، والعمل الصالح ، فلا تمسهم النار ، بل هم في روضات الجنات يحبرون
[ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ] أي مخلدون في الجنان ، لا يخرجون منها أبدا ، اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
البلاغة :
أولا : قوله تعالى : [ وهم يعلمون ] جملة حالية مفيدة لكمال قبح صنيعهم ، فتحريفهم للتوراة كان عن قصد وتصميم ، لا عن جهل أو نسيان ، ومن يرتكب المعصية عن علم ، يستحق الذم والتوبيخ ، أكثر ممن يرتكبها وهو جاهل بحكمها وبشناعتها.
ثانيا : قوله : [ يكتبون الكتاب بأيديهم ] ذكر الأيدى هنا لدفع توهم المجاز ، وللتأكيد بأن الكتابة باشروها بأنفسهم ، كما يقول القائل : كتبته بيميني ، وسمعته بأذني ، ورأيته بعيني ، فهي لزيادة التأكيد ، وتقرير الجناية.
ثالثا : قوله : [ ما يسرون وما يعلنون ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى بـ (الطباق) حيث جمع بين لفظتي " يسرون " و " يعلنون " وهو من نوع طباق الإيجاب ، وهو أن يأتي باللفظ وضده ، كقوله تعالى (أضحك وأبكى).
رابعا : التكرير في قوله : [ فويل للذين يكتبون الكتاب ] وقوله : [ فويل لهم مما كتبت أيديهم ] وقوله : [ وويل لهم مما يكتبون ] تكرار الويل : للتوبيخ والتقريع ، ولبيان أن جريمتهم بلغت من القبح والشناعة الغاية القصوى.
خامسا : قوله : [ وأحاطت به خطيئته ] فيه استعارة لطيفة ، حيث شبه (الذنوب) و(الخطايا) بجيش من الأعداء ، نزل على قوم من كل جانب ، فأحاط بهم إحاطة السوار بالمعصم ، واستعار لفظة الإحاطة لغلبة السيئات على الحسنات ، فكأنها أحاطت بها من جميع الجهات.
الفوائد :
الفائدة الأولى : تحريف كلام الله ، يكون بتأويله تأويلا فاسدا ، ويكون بمعنى : التغيير وتبديل كلام بكلام ، وقد وقع من أحبار اليهود التحريف بالأمرين : بالتأويل ، وبالتغيير ، كما فعلوا في صفته (صلى الله عليه وسلم) ، قال العلامة أبو السعود : روي أن أحبار اليهود خافوا زوال رياستهم ، فعمدوا إلى صفة النبى (صلى الله عليه وسلم) في التوراة ، وكانت هي فيها (حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، أبيض ، ربعة) الخ ، فغيروها وكتبوا مكانها " طوال ، أزرق ، سبط الشعر " فإذا سألهم العامة عن ذلك قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفا لما في التوراة ، فيكذبونه.
الثانية : التحريف بقسمية وقع في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل كما قال تعالى : [ يحرفون الكلم عن مواضعه ] أما التحريف بمعنى التأويل الباطل فقد وقع في القرآن ، من الجهلة أو الملاحدة ، وأما التحريف بمعنى إسقاط الآية ووضع كلام بدلها ، فقد حفظ الله منه كتابه العزيز بقوله سبحانه [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ] والحمد لله أن الله تكفل بحفظه بنفسه ، ولم يتركه للخلق ، كما هو شأن التوراة والإنجيل.
[ وأحاطت به خطيئته ] أي غمرته من جميع جوانبه ، وسدت عليه مسالك النجاة ، بأن فعل مثل فعلكم أيها اليهود
[ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] أي فالنار ملازمة لهم ، لا يخرجون منها أبدا
[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي وأما المؤمنون الذين جمعوا بين الإيمان ، والعمل الصالح ، فلا تمسهم النار ، بل هم في روضات الجنات يحبرون
[ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ] أي مخلدون في الجنان ، لا يخرجون منها أبدا ، اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
البلاغة :
أولا : قوله تعالى : [ وهم يعلمون ] جملة حالية مفيدة لكمال قبح صنيعهم ، فتحريفهم للتوراة كان عن قصد وتصميم ، لا عن جهل أو نسيان ، ومن يرتكب المعصية عن علم ، يستحق الذم والتوبيخ ، أكثر ممن يرتكبها وهو جاهل بحكمها وبشناعتها.
ثانيا : قوله : [ يكتبون الكتاب بأيديهم ] ذكر الأيدى هنا لدفع توهم المجاز ، وللتأكيد بأن الكتابة باشروها بأنفسهم ، كما يقول القائل : كتبته بيميني ، وسمعته بأذني ، ورأيته بعيني ، فهي لزيادة التأكيد ، وتقرير الجناية.
ثالثا : قوله : [ ما يسرون وما يعلنون ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى بـ (الطباق) حيث جمع بين لفظتي " يسرون " و " يعلنون " وهو من نوع طباق الإيجاب ، وهو أن يأتي باللفظ وضده ، كقوله تعالى (أضحك وأبكى).
رابعا : التكرير في قوله : [ فويل للذين يكتبون الكتاب ] وقوله : [ فويل لهم مما كتبت أيديهم ] وقوله : [ وويل لهم مما يكتبون ] تكرار الويل : للتوبيخ والتقريع ، ولبيان أن جريمتهم بلغت من القبح والشناعة الغاية القصوى.
خامسا : قوله : [ وأحاطت به خطيئته ] فيه استعارة لطيفة ، حيث شبه (الذنوب) و(الخطايا) بجيش من الأعداء ، نزل على قوم من كل جانب ، فأحاط بهم إحاطة السوار بالمعصم ، واستعار لفظة الإحاطة لغلبة السيئات على الحسنات ، فكأنها أحاطت بها من جميع الجهات.
الفوائد :
الفائدة الأولى : تحريف كلام الله ، يكون بتأويله تأويلا فاسدا ، ويكون بمعنى : التغيير وتبديل كلام بكلام ، وقد وقع من أحبار اليهود التحريف بالأمرين : بالتأويل ، وبالتغيير ، كما فعلوا في صفته (صلى الله عليه وسلم) ، قال العلامة أبو السعود : روي أن أحبار اليهود خافوا زوال رياستهم ، فعمدوا إلى صفة النبى (صلى الله عليه وسلم) في التوراة ، وكانت هي فيها (حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، أبيض ، ربعة) الخ ، فغيروها وكتبوا مكانها " طوال ، أزرق ، سبط الشعر " فإذا سألهم العامة عن ذلك قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفا لما في التوراة ، فيكذبونه.
الثانية : التحريف بقسمية وقع في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل كما قال تعالى : [ يحرفون الكلم عن مواضعه ] أما التحريف بمعنى التأويل الباطل فقد وقع في القرآن ، من الجهلة أو الملاحدة ، وأما التحريف بمعنى إسقاط الآية ووضع كلام بدلها ، فقد حفظ الله منه كتابه العزيز بقوله سبحانه [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ] والحمد لله أن الله تكفل بحفظه بنفسه ، ولم يتركه للخلق ، كما هو شأن التوراة والإنجيل.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء