قال الله تعالى : [ وإذ أخذنا ميثاقكم .. إلى .. وما خلفها وموعظة للمتقين ] سورة البقرة من آية (63) إلى نهاية آية (66).
المناسبة :
لما ذكرهم تعالى بالنعم الجليلة العظيمة ، أردف ذلك ببيان ما حل بهم من نقم ، جزاء كفرهم وعصيانهم وتمردهم على أوامر الله ، فقد كفروا النعمة ، ونقضوا الميثاق ، واعتدوا فى السبت ، فمسخهم الله إلى قردة ، وهكذا شأن كل أمة عتت عن أمر ربها وعصت رسله.
اللغة :
[ ميثاقكم ] الميثاق : العهد المؤكد بيمين ونحوه ، والمراد هنا العمل بأحكام التوراة
[ الطور ] هو الجبل الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام
[ بقوة ] بحزم وعزم
[ توليتم ] التولي : الإعراض عن الشيء والإدبار عنه
[ خاسئين ] جمع خاسئ وهو الذليل المهين ، قال أهل اللغة : الخاسئ : الصاغر المبعد المطرود ، كالكلب إذا دنا من الناس قيل له : اخسأ أي تباعد وانطرد صاغرا
[ نكالا ] النكال : العقوبة الشديدة الزاجرة ، ولا يقال لكل عقوبة نكال حتى تكون زاجرة رادعة.
التفسير :
[ وإذ أخذنا ميثاقكم ] أي اذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا منكم العهد المؤكد على العمل بما في التوراة
[ ورفعنا فوقكم الطور ] أي نتقناه حتى أصبح كالظلة فوقكم وقلنا لكم
[ خذوا ما آتيناكم بقوة ] أي اعملوا بما في التوراة بجد وعزيمة
[ واذكروا ما فيه ] أي احفظوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه
[ لعلكم تتقون ] أي لتتقوا الهلاك في الدنيا والعذاب فى الآخرة ، أو رجاء منكم أن تكونوا من فريق المتقين
[ ثم توليتم من بعد ذلك ] أي أعرضتم عن الميثاق بعد أخذه
[ فلولا فضل الله عليكم ] أي بقبول التوبة
[ ورحمته ] بالعفو عن الزلة
[ لكنتم من الخاسرين ] أي لكنتم من الهالكين في الدنيا والآخرة
[ ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ] أي عرفتم ما فعلناه بمن عصى أمرنا ، حين خالفوا واصطادوا يوم السبت ، وقد نهيناهم عن ذلك
[ فجعلناها ] أي المسخة
[ نكالا لما بين يديها ] أي عقوبة زاجرة لمن يأتي بعدها من الأمم
[ وما خلفها ] أي جعلنا مسخهم قردة عبرة لمن شهدها وعاينها ، وعبرة لمن جاء بعدها ولم يشاهدها
[ وموعظة للمتقين ] أي عظة وذكرى لكل عبد صالح ، متق لله سبحانه وتعالى!.
البلاغة :
أولا : [ خذوا ما آتيناكم بقوة ] فيه إيجاز بالحذف أي قلنا لهم : خذوا ، فهو كما قال الزمخشري على إرادة القول.
ثانيا : [ كونوا قردة خاسئين ] خرج الأمر عن حقيقته إلى معنى الإهانة والتحقير ، وقال بعض المفسرين : هذا أمر تسخير وتكوين ، فهو عبارة عن تعلق القدرة ، بنقلهم من حقيقة البشرية إلى حقيقة القردة.
ثالثا : [ لما بين يديها وما خلفها ] كناية عمن أتى قبلها أو أتى بعدها من الأمم والخلائق ، أو عبرة لمن تقدم ومن تأخر.
الفوائد :
الأولى : قال القفال : إنما قال :
[ ميثاقكم ] ولم يقل " مواثيقكم " لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم كقوله : [ ثم يخرجكم طفلا ] أي يخرج كل واحد منكم طفلا.
الثانية : قال بعض أهل اللطائف : كانت نفوس بنى إسرائيل من ظلمات عصيانها ، تخبط فى عشواء حالكة الجلباب ، وتخطر من غلوائها وعلوها في حلتي كبر وإعجاب ، فلما أمروا بأخذ التوراة ورأوا ما فيها من أثقال ، ثارت نفوسهم فرفع الله عليهم الجبل فوجدوه أثقل مما كلفوه ، فهان عليهم حمل التوراة قال الشاعر :
إلى الله يدعى بالبراهين من أبى فإن لم يجب نادته بيض الصوارم
الثالثة : إنما خص المتقين بإضافة الموعظة إليهم [ وموعظة للمتقين ] لأنهم هم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير قال تعالى : [ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ] .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء