قال الله تعالى : [ وإذ نجيناكم من آل فرعون.. إلى .. إنه هو التواب الرحيم ] سورة البقرة من آية (49) غلى نهاية آية (54).
المناسبة :
لما قدم تعالى ذكر نعمه على بني إسرائيل إجمالاً ، بين بعد ذلك أقسام تلك النعم
على سبيل التفصيل ، ليكون أبلغ فى التذكير ، وأدعى إلى الشكر ، فكأنه قال : اذكروا
نعمتي ، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون ، واذكروا إذ فرقنا بكم البحر.. إلى آخره
، وكل هذه النعم تستدعي شكر المنعم جل وعلا ، لا كفرانه وعصيانه!!اللغة :
[ آل فرعون ] أصل " آل " أهل ، ولذلك يصغر بأهيل ، فأبدلت هاؤه ألفا ، وخص استعماله بأولي الخطر والشأن كالملوك وأشباههم ، فلا يقال آل الإسكاف والحجام ، و[ فرعون ] علم لمن ملك العمالقة ، كقيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس ، ولعتوا الفراعنة اشتقوا منه " تفرعن " : إذا عتا وتجبر
[ يسومونكم ] يذيقونكم من سامه إذا أذاقه وأولاه ، قال الطبري : يوردونكم ويذيقونكم.
[ يستحيون ] يستبقون الإناث على قيد الحياة
[ بلاء ] اختبار ومحنة ، ويستعمل في الخير والشر كما قال تعالى : [ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ]
[ فرقنا ] الفرق : الفصل والتمييز ، ومنه قوله سبحانه [ وقرآنا فرقناه ] أي فصلناه وميزناه بالبيان
[ بارئكم ] الباري هو الخالق للشئ على غير مثال سابق ، والبرية : الخلق.
التفسير :
[ وإذ نجيناكم ] أي اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم حين نجيت آباءكم
[ من آل فرعون ] أي من بطش فرعون وأشياعه العتاة ، والخطاب للأبناء المعاصرين للنبى (صلى الله عليه وسلم) ، لأن النعمة على الآباء نعمة على الأبناء
[ يسومونكم سوء العذاب ] أي يولونكم ويذيقونكم أشد العذاب وأفظعه
[ يذبحون أبناءكم ] أي يذبحون الذكور من الأولاد
[ ويستحيون نساءكم ] أي يستبقون الإناث على قيد الحياة للخدمة
[ وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ] أي فيما ذكر من العذاب
المهين ، من الذبح والاستحياء ، محنة واختبار عظيم لكم من جهته تعالى ، بتسليطهم
عليكم ، ليتميز البر من الفاجر
[ وإذ فرقنا بكم البحر ] أي اذكروا أيضا إذ فلقنا لكم البحر ، وصار لكم فيه طرق عديدة ، فمشيتم عليها
[ فأنجينا كم وأغرقنا آل فرعون ] أي نجيناكم من الغرق ، وأغرقنا فرعون وقومه الطغاة المتجبرين
[ وأنتم تنظرون ] أي وأنتم تشاهدون ذلك ، فقد كان إغراقهم آية باهرة من آيات الله ، وعبرة للمعتبرين في إنجاء أوليائه وإهلاك أعدائه
[ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ] أي وعدنا موسى أن نعطيه التوراة بعد أربعين ليلة ، وكان ذلك بعد نجاتكم وإهلاك فرعون
[ ثم اتخذتم العجل ] أي عبدتم العجل
[ من بعده ] أي بعد غيبته عنكم ، حين ذهب لميقات ربه
[ وأنتم ظالمون ] أي معتدون فى تلك العبادة ظالمون لأنفسكم
[ ثم عفونا عنكم ] أي تجاوزنا عن تلك الجريمة الشنيعة
[ من بعد ذلك ] أي من بعد ذلك الاتخاذ المتناهي فى القبح
[ لعلكم تشكرون ] أي لكي تشكروا نعمة الله عليكم ، وتستمروا بعد ذلك على الطاعة
[ وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ] أي واذكروا نعمتي أيضا حين أعطيت موسى (التوراة) الفارقة بين الحق والباطل ، وأيدته بالمعجزات
[ لعلكم تهتدون ] أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها ، والعمل بمقتضى ما فيها من أحكام ، شرعها الله لسعادتكم وفلاحكم! ثم بين تعالى كيفية وقوع العفو المذكور فى الآية السابقة [ ثم عفونا عنكم ] بقوله :
[ وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ] أي اذكروا حين قال موسى لقومه ، بعدما رجع من الموعد الذى وعده ربه ، فرآهم قد عبدوا العجل : يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم
[ باتخاذكم العجل ] أي بعبادتكم للعجل
[ فتوبوا إلى بارئكم ] أي توبوا إلى من خلقكم بريئا من العيب والنقصان
[ فاقتلوا أنفسكم ] أي ليقتل البريء منكم المجرم
[ ذلكم ] أي القتل
[ خير لكم عند بارئكم ] أي رضاكم بحكم الله ونزولكم عند أمره ، خير لكم عند الخالق العظيم
[ فتاب عليكم ] أي قبل توبتكم
[ إنه هو التواب الرحيم ] أي عظيم المغرفة ، واسع التوبة.
البلاغة :
أولا : قال ابن جزي : [ يسومونكم سوء العذاب ] أي يلزمونكم به وهو استعارة من السوم في البيع ، وفسر سوء العذاب بقوله : [ يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ] ولذلك لم يعطفه هنا بالواو ، وعطفه في إبراهيم [ ويذبحون أبناءكم ] لأنه هناك نوع العذاب ، أي أنه نوع آخر غير الذبح.
ثانيا : التنكير في كل من [ بلاء ] و[ عظيم ] للتفخيم والتهويل.
ثالثا : صيغة المفاعلة في قوله : [ وإذ واعدنا ] ليست على بابها ، لأنها لا تفيد المشاركة من الطرفين ، وإنما هي بمعنى الثلاثي [ وإذ وعدنا ] .
رابعاً : قال أبو السعود : [ فتوبوا إلى بارئكم ] التعرض بذكر البارئ للإشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها ، ومن الغواية منتهاها ، حيث تركوا عبادة العليم الحكيم ، الذي خلقهم بلطيف حكمته ، إلى عبادة البقر الذي هو مثل فى الغباوة.. أقول : لا عجب فى ذلك ، فالجنس يألفه الجنس.
الفوائد :
الأولى : العطف فى قوله : [ الكتاب والفرقان ] هو من باب عطف الصفات بعضها على بعض ، لأن الكتاب هو التوراة ، والفرقان هو التوراة أيضا ، وحسن العطف لكون معناه أنه أتاه إياه جامعاً بين كونه كتابا منزلا وفرقانا يفرق بين الحق والباطل.
الثانية : سبب تقتيل الذكور من بنى إسرائيل ما رواه المفسرون (أن فرعون رأى فى منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس ، وأحاطت بمصر ، وأحرقت كل قبطي بها ، ولم تتعرض لبني إسرائيل ، فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا : يولد في بني إسرائيل غلام يكون هلاكك وزوال ملكك على يده ، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل.
[ وإذ فرقنا بكم البحر ] أي اذكروا أيضا إذ فلقنا لكم البحر ، وصار لكم فيه طرق عديدة ، فمشيتم عليها
[ فأنجينا كم وأغرقنا آل فرعون ] أي نجيناكم من الغرق ، وأغرقنا فرعون وقومه الطغاة المتجبرين
[ وأنتم تنظرون ] أي وأنتم تشاهدون ذلك ، فقد كان إغراقهم آية باهرة من آيات الله ، وعبرة للمعتبرين في إنجاء أوليائه وإهلاك أعدائه
[ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ] أي وعدنا موسى أن نعطيه التوراة بعد أربعين ليلة ، وكان ذلك بعد نجاتكم وإهلاك فرعون
[ ثم اتخذتم العجل ] أي عبدتم العجل
[ من بعده ] أي بعد غيبته عنكم ، حين ذهب لميقات ربه
[ وأنتم ظالمون ] أي معتدون فى تلك العبادة ظالمون لأنفسكم
[ ثم عفونا عنكم ] أي تجاوزنا عن تلك الجريمة الشنيعة
[ من بعد ذلك ] أي من بعد ذلك الاتخاذ المتناهي فى القبح
[ لعلكم تشكرون ] أي لكي تشكروا نعمة الله عليكم ، وتستمروا بعد ذلك على الطاعة
[ وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ] أي واذكروا نعمتي أيضا حين أعطيت موسى (التوراة) الفارقة بين الحق والباطل ، وأيدته بالمعجزات
[ لعلكم تهتدون ] أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها ، والعمل بمقتضى ما فيها من أحكام ، شرعها الله لسعادتكم وفلاحكم! ثم بين تعالى كيفية وقوع العفو المذكور فى الآية السابقة [ ثم عفونا عنكم ] بقوله :
[ وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ] أي اذكروا حين قال موسى لقومه ، بعدما رجع من الموعد الذى وعده ربه ، فرآهم قد عبدوا العجل : يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم
[ باتخاذكم العجل ] أي بعبادتكم للعجل
[ فتوبوا إلى بارئكم ] أي توبوا إلى من خلقكم بريئا من العيب والنقصان
[ فاقتلوا أنفسكم ] أي ليقتل البريء منكم المجرم
[ ذلكم ] أي القتل
[ خير لكم عند بارئكم ] أي رضاكم بحكم الله ونزولكم عند أمره ، خير لكم عند الخالق العظيم
[ فتاب عليكم ] أي قبل توبتكم
[ إنه هو التواب الرحيم ] أي عظيم المغرفة ، واسع التوبة.
البلاغة :
أولا : قال ابن جزي : [ يسومونكم سوء العذاب ] أي يلزمونكم به وهو استعارة من السوم في البيع ، وفسر سوء العذاب بقوله : [ يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ] ولذلك لم يعطفه هنا بالواو ، وعطفه في إبراهيم [ ويذبحون أبناءكم ] لأنه هناك نوع العذاب ، أي أنه نوع آخر غير الذبح.
ثانيا : التنكير في كل من [ بلاء ] و[ عظيم ] للتفخيم والتهويل.
ثالثا : صيغة المفاعلة في قوله : [ وإذ واعدنا ] ليست على بابها ، لأنها لا تفيد المشاركة من الطرفين ، وإنما هي بمعنى الثلاثي [ وإذ وعدنا ] .
رابعاً : قال أبو السعود : [ فتوبوا إلى بارئكم ] التعرض بذكر البارئ للإشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها ، ومن الغواية منتهاها ، حيث تركوا عبادة العليم الحكيم ، الذي خلقهم بلطيف حكمته ، إلى عبادة البقر الذي هو مثل فى الغباوة.. أقول : لا عجب فى ذلك ، فالجنس يألفه الجنس.
الفوائد :
الأولى : العطف فى قوله : [ الكتاب والفرقان ] هو من باب عطف الصفات بعضها على بعض ، لأن الكتاب هو التوراة ، والفرقان هو التوراة أيضا ، وحسن العطف لكون معناه أنه أتاه إياه جامعاً بين كونه كتابا منزلا وفرقانا يفرق بين الحق والباطل.
الثانية : سبب تقتيل الذكور من بنى إسرائيل ما رواه المفسرون (أن فرعون رأى فى منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس ، وأحاطت بمصر ، وأحرقت كل قبطي بها ، ولم تتعرض لبني إسرائيل ، فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا : يولد في بني إسرائيل غلام يكون هلاكك وزوال ملكك على يده ، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء