قال الله تعالى : [ للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر.. إلى .. وتلك حدود
الله يبينها لقوم يعلمون ] سورة البقرة من آية (226) إلى نهاية آية (230).
المناسبة :
ذكر تعالى في الآيات السابقة بعض الأمراض الاجتماعية التي تنخر جسم الأمة ، وتحل
عرى الجماعة ، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء كالخمر والميسر ، ثم انتقل إلى الحديث عن الأسرة باعتبار أنها النواة الأولى لبناء المجتمع الفاضل ، فبصلاح الأسرة يصلح المجتمع ، وبفسادها يفسد المجتمع ، وابتدأ من أحكام الأسرة بالعلاقة الزوجية ونبه على ضرورة أن يكون الاختيار على أساس الدين ، لتظل العلاقة موثقة بروابط المودة والرحمة والإخلاص ، ولهذا حرم الإسلام الزواج بالمشركات ، وتزويج المشركين بالمؤمنات ، ثم بين في هذه الآيات الكريمة بعض الأمراض التي تحل بالأسرة وتهدد كيانها فذكر منها (الإيلاء ، والطلاق ، والخلع) ، وبين العلاج الناجع لمثل هذه المشاكل التي تقوض بنيان الأسرة.
اللغة :
[ يؤلون ] الإيلاء لغة : الحلف يقال : آلى يؤالي إيلاء ، قال الشاعر :
فآليت لا أنفك
أحدو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي
وفي الشرع : اليمين على ترك وطء الزوجة
[ تربص ] التربص : الانتظار ومنه [ قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ] أي انتظروا
[ فاءوا ] الفيء : الرجوع ومنه قيل للظل فيء ، لانه يرجع بعد أن تقلص ، قال الفراء :
العرب تقول : فلان سريع الفيء أي سريع الرجوع بعد الغضب ، قال الشاعر :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
[ قروء ] جمع قرء اسم يقع على الحيض والطهر ، فهو من الأضداد ، وأصل القرء :
الاجتماع سمي به الحيض لاجتماع الدم في الرحم ، قال في القاموس : القرء بالفتح
ويضم : الحيض والطهر والوقت ، وجمع الطهر قروء ، وجمع الحيض أقراء
[ بعولتهن ] جمع بعل ومعناه الزوج [ وهذا بعلي شيخا ] والمرأة بعلة
[ درجة ] الدرجة : المنزلة الرفيعة
[ الطلاق ] مصدر طلقت المرأة ومعنى الطلاق : حل عقد النكاح ، وأصله الانطلاق
والتخلية يقال : ناقة طالق أي مهملة تركت في المرعى بلا قيد ولا راعي ،
[ تسريح ] التسريح : إرسال الشيء ، وسرح الماشية أرسلها ، قال الراغب : والتسريح في
الطلاق مستعار من تسريح الإبل ، كالطلاق مستعار من إطلاق الإبل.
سبب النزول :
كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء من الطلاق ، ثم يراجعها قبل أن تنقضي
عدتها ، ولو طلقها ألف مرة ، كان له الحق في مراجعتها ، فعمد رجل لامرأته فقال لها : لا آويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك ، فشكت المرأة أمرها للنبي (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله [ الطلاق مرتان.. ] الآية.
التفسير :
[ للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ] أي للذين يحلفون ألا يجامعوا نساءهم
للإضرار بهن ، لهن انتظار أربعة أشهر [ فإن فاءوا فإن الله
غفور رحيم ] أي إن رجعوا إلى عشرة أزواجهن بالمعروف – وهو كناية عن الجماع – أي
رجعوا عن اليمين إلى الوطء ، فإن الله يغفر ما صدر منهم من إساءة ويرحمهم [ وإن
عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ] أي وإن صمموا على عدم المعاشرة ، والامتناع عن
الوطء ، فإن الله سميع لأقوالهم عليم بنياتهم ، والمراد من الآية أن الزوج إذا حلف
ألا يقرب زوجته تنتظره الزوجة مدة أربعة أشهر ، فإن عاشرها في المدة فبها ونعمت ،
ويكون قد حنث في يمينه وعليه الكفارة ، وإن لم يعاشرها وقعت الفرقة والطلاق ، بمضي
تلك المدة عند أبي حنيفة ، وقال الشافعي : ترفع أمره إلى الحاكم ، فيأمره إما
بالفيئة أو الطلاق فإن امتنع عنهما طلق عليه الحاكم ، هذا هو خلاصة حكم الإيلاء..
ثم قال تعالى مبينا أحكام العدة والطلاق الشرعي [ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة
قروء ] أي الواجب على المطلقات الحرائر المدخول بهن أن ينتظرن مدة ثلاثة أطهار –
على قول الشافعي ومالك – أو ثلاث حيض على قول أبي حنيفة وأحمد ، ثم تتزوج إن شاءت
بعد انتهاء عدتها ، وهذا في المدخول بها ، أما غير المدخول بها ، فلا عدة عليها ،
لقوله تعالى [ فما لكم عليهن من عدة ]
[ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ] أي لا يباح للمطلقات أن يخفين
ما في أرحامهن من حبل أو حيض ، استعجالا في العدة ، وإبطالا لحق الزوج في الرجعة
[ إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ] أي إن كن حقا مؤمنات بالله ، ويخشين من عقابه ،
وهذا تهديد لهن حتى يخبرن بالحق من غير زيادة ولا نقصان ، لأنه أمر لا يعلم إلا
من جهتهن
[ وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ] أي وأزوجهن أحق بهن في الرجعة ،
من التزويج للأجانب إذا لم تنقض عدتهن ، إذا كان الغرض من الرجعة الإصلاح لا
الإضرار ، وهذا في الطلاق الرجعي
[ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ] أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال
عليهن ، بالمعروف الذي أمر تعالى به ، من حسن العشرة وترك الضرار ونحوه
[ وللرجال عليهن درجة ] أي وللرجال على النساء ميزة ، وهي فيما أمر تعالى به من
(القوامة ، والإنفاق ، والإمرة ، ووجوب الطاعة) ، فهي درجة تكليف لا تشريف لقوله
تعالى [ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ]
[ والله عزيز حكيم ] أي غالب ينتقم ممن عصاه ، حكيم في أمره وتشريعه.. ثم بين
تعالى طريقة الطلاق الشرعية فقال
[ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ] أي الطلاق المشروع الذي يملك به
الزوج الرجعة (مرتان) وليس بعدهما إلا المعاشرة بالمعروف مع حسن المعاملة ، أو
التسريح بإحسان ، بألا يظلمها من حقها شيئا ، ولا يذكرها بسوء ، ولا ينفر الناس
عنها
[ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا ] أي لا يحل لكم أيها الأزواج أن
تأخذوا مما دفعتم إليهن من المهور شيئا ولو قليلا
[ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ] أي إلا أن يخاف الزوجان سوء العشرة وألا
يرعيا حقوق الزوجية التي أمر الله تعالى بها
[ فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ] أي فإن خفتم سوء
العشرة بينهما وأرادت الزوجة أن تختلع بالنزول عن مهرها ، أو بدفع شيء من المال
لزوجها حتى يطلقها ، فلا إثم على الزوج في أخذه ولا على الزوجة في بذله
[ تلك حدود الله فلا تعتدوها ] أي هذه الأحكام العظيمة ، من (الطلاق ، والرجعة ،
والخلع) وغيرها هي شرائع الله وأحكامه ، فلا تخالفوها ولا تتجاوزوها إلى غيرها
مما لم يشرعه الله
[ ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ] أي من خالف أحكام الله فقد عرض نفسه
لسخط الله ، وهو من الظالمين المستحقين للعقاب الشديد
[ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ] أي فإن طلق الرجل المرأة
[ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ] أي لا يباح للمطلقات أن يخفين
ما في أرحامهن من حبل أو حيض ، استعجالا في العدة ، وإبطالا لحق الزوج في الرجعة
[ إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ] أي إن كن حقا مؤمنات بالله ، ويخشين من عقابه ،
وهذا تهديد لهن حتى يخبرن بالحق من غير زيادة ولا نقصان ، لأنه أمر لا يعلم إلا
من جهتهن
[ وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ] أي وأزوجهن أحق بهن في الرجعة ،
من التزويج للأجانب إذا لم تنقض عدتهن ، إذا كان الغرض من الرجعة الإصلاح لا
الإضرار ، وهذا في الطلاق الرجعي
[ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ] أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال
عليهن ، بالمعروف الذي أمر تعالى به ، من حسن العشرة وترك الضرار ونحوه
[ وللرجال عليهن درجة ] أي وللرجال على النساء ميزة ، وهي فيما أمر تعالى به من
(القوامة ، والإنفاق ، والإمرة ، ووجوب الطاعة) ، فهي درجة تكليف لا تشريف لقوله
تعالى [ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ]
[ والله عزيز حكيم ] أي غالب ينتقم ممن عصاه ، حكيم في أمره وتشريعه.. ثم بين
تعالى طريقة الطلاق الشرعية فقال
[ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ] أي الطلاق المشروع الذي يملك به
الزوج الرجعة (مرتان) وليس بعدهما إلا المعاشرة بالمعروف مع حسن المعاملة ، أو
التسريح بإحسان ، بألا يظلمها من حقها شيئا ، ولا يذكرها بسوء ، ولا ينفر الناس
عنها
[ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا ] أي لا يحل لكم أيها الأزواج أن
تأخذوا مما دفعتم إليهن من المهور شيئا ولو قليلا
[ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ] أي إلا أن يخاف الزوجان سوء العشرة وألا
يرعيا حقوق الزوجية التي أمر الله تعالى بها
[ فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ] أي فإن خفتم سوء
العشرة بينهما وأرادت الزوجة أن تختلع بالنزول عن مهرها ، أو بدفع شيء من المال
لزوجها حتى يطلقها ، فلا إثم على الزوج في أخذه ولا على الزوجة في بذله
[ تلك حدود الله فلا تعتدوها ] أي هذه الأحكام العظيمة ، من (الطلاق ، والرجعة ،
والخلع) وغيرها هي شرائع الله وأحكامه ، فلا تخالفوها ولا تتجاوزوها إلى غيرها
مما لم يشرعه الله
[ ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ] أي من خالف أحكام الله فقد عرض نفسه
لسخط الله ، وهو من الظالمين المستحقين للعقاب الشديد
[ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ] أي فإن طلق الرجل المرأة
عسيلتها وتذوق عسيلته ، كما صرح به الحديث الشريف ، وفي ذلك زجر عن طلاق المرأة ثلاثا ، لمن له رغبة في زوجته ، لأن كل ذي مروءة يكره أن يفترش امرأته آخر
[ فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ] أي إن طلقها
الزوج الثاني ، فلا بأس أن تعود إلى زوجها الأول بعد انقضاء العدة ، إن كان ثمة
دلائل تشير إلى الوفاق وحسن العشرة
[ وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ] أي تلك شرائع الله وأحكامه ، يوضحها
ويبينها لذوي العلم والفهم ، الذين ينظرون في عواقب الأمور.
البلاغة :
1- [ فإن الله سميع عليم ] خرج الخبر عن ظاهره إلى معنى الوعيد والتهديد.
2- [ والمطلقات يتربصن ] خبر في معنى الأمر وأصل الكلام وليتربص المطلقات ، قال
الزمخشري : وإخراج الأمر في صيغة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن
يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنهن امتثلن الأمر فهو يخبر عنه موجودا ، وبناؤه
على المبتدأ مما زاده فضل تأكيد .
3- [ إن كن يؤمن بالله ] ليس الغرض منه التقييد بالإيمان ، بل هو للتهييج وتهويل
الأمر في نفوسهن ، لأن الكلام مع المؤمنات!
4- [ ولهن مثل الذي عليهن ] فيه إيجاز وإبداع لا يخفى على المتمكن من علوم
البيان ، فقد حذف من الأول بقرينة الثاني ، ومن الثاني بقرينة الأول والمعنى : لهن
على الرجال من الحقوق ، مثل الذي للرجال عليهن من الحقوق وفيه من المحسنات
البديعية أيضا " الطباق " بين " لهن " و " عليهن " وهو طباق بين حرفين.
5- [ فإمساك بمعروف ] بين لفظ " إمساك " ولفظ " تسريح " طباق أيضا.
6- [ تلك حدود الله ] وضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة وإدخال الروعة
في النفوس ، وتعقيب النهي بالوعيد للمبالغة في التهديد.
7- [ فأولئك هم الظالمون ] هو من باب قصر الصفة على الموصوف.
فائدة :
أول خلع كان في الإسلام في امرأة (ثابت بن قيس) أتت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت يا
رسول الله : لا يجمع الله رأسي ورأسه شيء أبدا ، والله ما أعيب عليه في خلق ولا
دين ، ولكن أكره الكفر بعد الإسلام ، فقال لها عليه الصلاة والسلام : أتريدين عليه
حديقته ؟ قالت : نعم ، ففرق بينهما.
لطيفة :
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن
تتزين لي ، لأن الله تعالى يقول [ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ] وهذا استدلال
منه لطيف.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء