قال الله تعالى : [ يسألونك عن الخمر والميسر.. إلى .. والله غفور حليم ] سورة البقرة من آية
(219) إلى نهاية آية (225).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحكام القتال ، وبين الهدف السامي من مشروعيته ، وهو نصرة الحق
وإعزاز الدين ، وحماية الأمة من أن يلتهمها العدو الخارجي ، ذكر بعدها ما يتعلق
بإصلاح (المجتمع الداخلي) على أسس من الفضيلة والخلق الكريم ، لتقوم دعائمها على
أسس متينة ، وتبقى صرحاً شامخاً لا تؤثر في الأعاصير.
اللغة :
[ الخمر ] المسكر من الأشربة سميت خمرا لأنها تستر العقل وتغطيه ، وقولهم : خمرت
الغناء أي غطيته
[ الميسر ] القمار وأصله من اليسر لأنه كسب من غير كد ولا تعب ، وقيل من اليسار
لأنه سبب الغنى
[ إثم ] : الذنب وجمعه آثام ، وتسمى الخمر بـ " الإثم " لأن شربها سبب في الإثم ، قال
الشاعر : شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول
[ العفو ] الفضل والزيادة على الحاجة
[ أعنتكم ] أوقعكم في الحرج والمشقة ، وأصل العنت : المشقة
[ أمة ] الأمة : المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة وجمعها إماء
[ المحيض ] مصدر بمعنى الحيض ، كالمعيش بمعنى العيش ، وأصل الحيض : السيلان يقال :
حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة أي سالت
[ حرث ] الحرث : إلقاء البذر في الأرض قاله الراغب ، وقال الجوهري : الحرث : الزرع ،
والحارث الزارع ومعنى حرث أي مزرع ومنبت للولد على سبيل التشبيه
[ عرضة ] مانعاً وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو عرضة ، ولهذا يقال للسحاب : عارض
لأنه يمنع رؤية الشمس.
[ اللغو ] الساقط الذي لا يعتد به سواء كان كلاماً أو غيره ، ولغو الطائر : تصويته.
سبب النزول :
أ ) جاء جماعة من الأنصار فيهم عمر بن الخطاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا يا رسول
الله : أفتنا في الخمر والميسر ، فإنهما مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ؟ فأنزل الله
[ يسألونك عن الخمر والميسر.. ] الآية.
ب) عن ابن عباس قال : لما أنزل الله [ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ]
انطلق من كان عنده مال يتيم ، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل
الشيء من طعامه ، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد ، واشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك
لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله [ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير.. ] الآية.
ج) عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت فلم يؤاكلوها
ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت ، فسئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ذلك فأنزل الله عز
وجل
[ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى.. ] الآية.
التفسير :
[ يسألونك عن الخمر والميسر ] أي يسألونك يا محمد عن حكم الخمر وحكم القمار
[ قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ] أي قل لهم إن في تعاطي الخمر والميسر ضررا
عظيما وإثما كبيرا ، ومنافع مادية ضئيلة
[ وإثمهما أكبر من نفعهما ] أي وضررهما أعظم من نفعهما ، فإن ضياع العقل وذهاب
المال ، وتعريض البدن للمرض في الخمر ، وما يجره القمار من خراب البيوت ودمار
الأسر ، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين ، كل ذلك محسوس مشاهد ، وإذا قيس
الضرر الفادح بالنفع التافه ، ظهر خطر المنكر الخبيث
[ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ] أي ويسألونك ماذا ينفقون وماذا يتركون من
أموالهم ؟ قل لهم : أنفقوا الفاضل عن الحاجة ، ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا
أنفسكم
[ كذلك يبين الله لكم الآيات ] أي كما يبين لكم الأحكام يبين لكم المنافع
والمضار ، والحلال والحرام
[ لعلكم تتفكرون ] [ في الدنيا والآخرة ] أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة ،
فتعلموا أن الأولى فانية والآخرة باقية ، فتعملوا لما هو أصلح ، والعاقل من آثر
ما يبقى على ما يفنى.
[ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ] أي ويسألونك يا محمد عن مخالطة اليتامى
في أموالهم ؟ أيخالطونهم أم يعتزلونهم ؟ فقل لهم : مداخلتهم
على وجه الإصلاح خير
من اعتزالهم
[ وإن تخالطوهم فإخوانكم ] أي إذا خلطتم أموالهم بأموالكم على وجه المصلحة لهم ،
فهم إخوانكم في الدين ، وأخوة الدين أقوى من أخوة النسب ، ومن حقوق هذه الأخوة
المخالطة بالإصلاح والنفع
[ والله يعلم المفسد من المصلح ] أي والله تعالى أعلم وأدرى ، بمن يقصد بمخالطتهم
الخيانة والإفساد لأموالهم ، ويعلم كذلك من يقصد لهم الإصلاح ، فيجازي كلا بعمله
[ ولو شاء الله لأعنتكم ] أي لو شاء تعالى لأوقعكم في الحرج والمشقة وشدد عليكم ،
ولكنه يسر عليكم الدين وسهله رحمة بكم
[ إن الله عزيز حكيم ] أي هو تعالى الغالب الذي لا يمتنع عليه شيء ، الحكيم فيما
يشرع لعباده من الأحكام.. ثم حذر تعالى من زواج المشركات اللواتي ليس لهن دين
سماوي فقال :
[ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ] أي لا تتزوجوا أيها المسلمون بالمشركات من غير
أهل الكتاب حتى يؤمن بالله واليوم الآخر
[ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ] أي ولأمة مؤمنة خير وأفضل من حرة
مشركة ، ولو أعجبتكم المشركة بجمالها ومالها وسائر ما يوجب الرغبة فيها ، من حسب
أو جاه أو سلطان
[ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ] أي ولا تزوجوا بناتكم من المشركين – وثنيين
كانوا أو أهل كتاب – حتى يؤمنوا بالله ورسوله
[ ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ] أي ولأن تزوجوهن من عبد مؤمن ، خير لكم من
أن تزوجوهن من حر مشرك ، مهما أعجبكم في الحسب والنسب والجمال
[ أولئك يدعون إلى النار ] أي أولئك المذكورون من المشركين والمشركات ، الذين حرمت
عليكم مصاهرتهم ومناكحتهم ، يدعونكم إلى ما يوصلكم إلى النار ، وهو الكفر والفسوق
فحقكم ألا تتزوجوا منهم ولا تزوجوهم
[ والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ] أي هو تعالى يريد بكم الخير ويدعوكم إلى
ما فيه سعادتكم ، وهو العمل الذي يوجب الجنة ومغفرة الذنوب
[ ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ] أي يوضح حججه وأدلته للناس ، ليتذكروا
فيميزوا بين الخير والشر والخبيث والطيب.. ثم بين تعالى أحكام الحيض فقال :
[ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ] أي يسألونك يا أيها الرسول عن إتيان النساء في
حالة الحيض ، أيحل أم يحرم ؟ فقل لهم : إنه شيء مستقذر ، ومعاشرتهن في هذه الحالة
فيه أذى للزوجين
[ فاعتزلوا النساء في المحيض ] أي اجتنبوا معاشرة النساء في حالة الحيض
[ ولا تقربوهن حتى يطهرن ] أي لا تجامعوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويغتسلن ،
والمراد من الآية التنبيه على أن الغرض (عدم المعاشرة) لا عدم القرب منهن ، وعدم
مؤاكلتهن ومجالستهن ، كما كان يفعل اليهود إذا حاضت عندهم المرأة
[ فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ] أي فإذا تطهرن بالماء ، فأتوهن في المكان
الذي أحله الله لكم ، وهو مكان النسل والولد ، وهو القبل لا الدبر
[ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ] أي يحب التائبين من الذنوب ، المتنزهين
عن الفواحش والأقذار
[ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ] أي نساؤكم مكان زرعكم وموضع نسلكم ، وفي
أرحامهن يتكون الولد ، فأتوهن في موضع النسل والذرية ولا تتعدوه إلى غيره ، قال
ابن عباس : (اسق نباتك من حيث ينبت) ومعنى [ أنى شئتم ] أي كيف شئتم ، قائمة وقاعدة
ومضطجعة ، بعد أن يكون في مكان الحرث " الفرج " وهو رد لقول اليهود : إذا أتى الرجل
امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول
[ وقدموا لأنفسكم ] أي قدموا صالح الأعمال التي تكون لكم ذخرا في الآخرة
[ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ] أي خافوا الله باجتناب معاصيه ، وأيقنوا بأن
مصيركم إليه فيجازيكم بأعمالكم
[ وبشر المؤمنين ] أي بشرهم بالفوز العظيم في جنات النعيم
من اعتزالهم
[ وإن تخالطوهم فإخوانكم ] أي إذا خلطتم أموالهم بأموالكم على وجه المصلحة لهم ،
فهم إخوانكم في الدين ، وأخوة الدين أقوى من أخوة النسب ، ومن حقوق هذه الأخوة
المخالطة بالإصلاح والنفع
[ والله يعلم المفسد من المصلح ] أي والله تعالى أعلم وأدرى ، بمن يقصد بمخالطتهم
الخيانة والإفساد لأموالهم ، ويعلم كذلك من يقصد لهم الإصلاح ، فيجازي كلا بعمله
[ ولو شاء الله لأعنتكم ] أي لو شاء تعالى لأوقعكم في الحرج والمشقة وشدد عليكم ،
ولكنه يسر عليكم الدين وسهله رحمة بكم
[ إن الله عزيز حكيم ] أي هو تعالى الغالب الذي لا يمتنع عليه شيء ، الحكيم فيما
يشرع لعباده من الأحكام.. ثم حذر تعالى من زواج المشركات اللواتي ليس لهن دين
سماوي فقال :
[ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ] أي لا تتزوجوا أيها المسلمون بالمشركات من غير
أهل الكتاب حتى يؤمن بالله واليوم الآخر
[ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ] أي ولأمة مؤمنة خير وأفضل من حرة
مشركة ، ولو أعجبتكم المشركة بجمالها ومالها وسائر ما يوجب الرغبة فيها ، من حسب
أو جاه أو سلطان
[ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ] أي ولا تزوجوا بناتكم من المشركين – وثنيين
كانوا أو أهل كتاب – حتى يؤمنوا بالله ورسوله
[ ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ] أي ولأن تزوجوهن من عبد مؤمن ، خير لكم من
أن تزوجوهن من حر مشرك ، مهما أعجبكم في الحسب والنسب والجمال
[ أولئك يدعون إلى النار ] أي أولئك المذكورون من المشركين والمشركات ، الذين حرمت
عليكم مصاهرتهم ومناكحتهم ، يدعونكم إلى ما يوصلكم إلى النار ، وهو الكفر والفسوق
فحقكم ألا تتزوجوا منهم ولا تزوجوهم
[ والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ] أي هو تعالى يريد بكم الخير ويدعوكم إلى
ما فيه سعادتكم ، وهو العمل الذي يوجب الجنة ومغفرة الذنوب
[ ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ] أي يوضح حججه وأدلته للناس ، ليتذكروا
فيميزوا بين الخير والشر والخبيث والطيب.. ثم بين تعالى أحكام الحيض فقال :
[ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ] أي يسألونك يا أيها الرسول عن إتيان النساء في
حالة الحيض ، أيحل أم يحرم ؟ فقل لهم : إنه شيء مستقذر ، ومعاشرتهن في هذه الحالة
فيه أذى للزوجين
[ فاعتزلوا النساء في المحيض ] أي اجتنبوا معاشرة النساء في حالة الحيض
[ ولا تقربوهن حتى يطهرن ] أي لا تجامعوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويغتسلن ،
والمراد من الآية التنبيه على أن الغرض (عدم المعاشرة) لا عدم القرب منهن ، وعدم
مؤاكلتهن ومجالستهن ، كما كان يفعل اليهود إذا حاضت عندهم المرأة
[ فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ] أي فإذا تطهرن بالماء ، فأتوهن في المكان
الذي أحله الله لكم ، وهو مكان النسل والولد ، وهو القبل لا الدبر
[ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ] أي يحب التائبين من الذنوب ، المتنزهين
عن الفواحش والأقذار
[ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ] أي نساؤكم مكان زرعكم وموضع نسلكم ، وفي
أرحامهن يتكون الولد ، فأتوهن في موضع النسل والذرية ولا تتعدوه إلى غيره ، قال
ابن عباس : (اسق نباتك من حيث ينبت) ومعنى [ أنى شئتم ] أي كيف شئتم ، قائمة وقاعدة
ومضطجعة ، بعد أن يكون في مكان الحرث " الفرج " وهو رد لقول اليهود : إذا أتى الرجل
امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول
[ وقدموا لأنفسكم ] أي قدموا صالح الأعمال التي تكون لكم ذخرا في الآخرة
[ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ] أي خافوا الله باجتناب معاصيه ، وأيقنوا بأن
مصيركم إليه فيجازيكم بأعمالكم
[ وبشر المؤمنين ] أي بشرهم بالفوز العظيم في جنات النعيم
[ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ] أي لا تجعلوا الحلف
بالله ، سبباً مانعاً عن
فعل الخير ، فتتعللوا باليمين بأن يقول أحدكم : قد حلفت بالله ألا أفعله ، وأريد
أن أبر بيميني!! بل افعلوا الخير وكفروا عن أيمانكم ، ((وقيل المعنى : لا تكثروا
الحلف فتجعلوا الله هدفا لأيمانكم ، تبتذلون اسمه الأعظم في كل شيء قليل أو
كثير ، عظيم أو حقير ، إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا فإن الحلاف لا يكون برا ولا
تقياً )) قال ابن عباس : لا تجعلن الله عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر
عن يمينك واصنع الخير
[ أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ] أي لا تجعلوه تعالى سببا مانعا عن البر
والتقوى والإصلاح بين الناس ، وقد نزلت في (عبد الله بن رواحة) حين حلف ألا يكلم
ختنه " النعمان بن بشير " ولا يصلح بينه وبين أخته
[ والله سميع عليم ] أي سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم.. ثم قال تعالى :
[ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ] أي لا يؤاخذكم بما جرى على لسانكم من ذكر
اسم الله ، من غير قصد الحلف ، كقول أحدكم : بلى والله ، ولا والله ، لا يقصد به
اليمين
[ ولكن يؤاخذكم بما كسبتم قلوبكم ] أي يؤاخذكم بما قصدتم إليه وعقدتم القلب عليه
من الأيمان إذا حنثتم فيها
[ والله غفور حليم ] أي واسع المغفرة ، حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة.
البلاغة :
1- [ يسألونك عن الخمر والميسر ] فيه إيجاز بالحذف أي عن شرب الخمر وتعاطي
الميسر.
2- [ وإثمهما أكبر من نفعهما ] هذا من باب التفصيل بعد الإجمال وهو ما يسمى فى
البلاغة ب " الإطناب " .
3- [ كذلك يبين الله لكم الآيات ] فيه تشبيه مرسل مجمل.
4- [ المفسد من المصلح ] في الآية طباق بين كلمة " المفسد " و " المصلح " وهو من
المحسنات البديعية.
5- [ يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة ] كذلك يوجد طباق بين كلمة " النار "
وكلمة " الجنة " .
6- [ قل هو أذى ] فيه تشبيه بليغ ، حيث جعله عين الأذى والضرر ، فأصبح بليغاً وأصله
الحيض شيء مستقذر كالأذى فحذف ذلك مبالغة على حد قولهم : علي أسد.
7- [ ولا تقربوهن ] كناية عن الجماع ، أي لا تجامعوهن حال الحيض.
8- [ نساؤكم حرث ] هذا على سبيل التشبيه ، فالمرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد
كالنبات الخارج ، فالحرث بمعنى المحترث سمي به على سبيل المبالغة.
الفوائد :
الأولى : تسمى الخمر أم الخبائث لأنها سبب في كل فعل قبيح ، روى النسائي عن عثمان
رضي الله عنه أنه قال : (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن قبلكم
متعبد ، فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنا ندعوك للشهادة !!
فانطلق مع جاريتها ، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة
وضيئة ، عندها غلام وباطية خمر ، فقالت : إني ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع
علي ، أو تشرب من هذه الخمر كأسا أو تقتل هذا الغلام ، قال : فاسقيني من هذه الخمر
كأسا ، فسقته كأسا ، فقال : زيدوني فزادوه ، فلم يبرح حتى وقع عليها ، وقتل النفس ،
فاجتنبوا الخمر ، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر ، إلا يوشك أن يخرج
أحدهما صاحبه).
الثانية : فإن قيل : كيف يكون في الخمر منافع ، مع أنها تذهب بالعقل والمال ؟
والجواب أن المراد بالمنافع في الآية " المنافع المادية " حيث كانوا يتاجرون بها
فيربحون منها الربح الفاحش ، ويحتمل أن يراد بالنفع تلك (اللذة والنشوة)
المزعومة التى عبر عنها الشاعر بقوله : ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما
ينهنهنا اللقاء
قال القرطبي : وشارب الخمر يصير ضحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح
وجهه بها ، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول : اللهم اجعلنى من التوابين
واجعلنى من المتطهرين ، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول : أكرمك الله كما
أكرمتنى.
فعل الخير ، فتتعللوا باليمين بأن يقول أحدكم : قد حلفت بالله ألا أفعله ، وأريد
أن أبر بيميني!! بل افعلوا الخير وكفروا عن أيمانكم ، ((وقيل المعنى : لا تكثروا
الحلف فتجعلوا الله هدفا لأيمانكم ، تبتذلون اسمه الأعظم في كل شيء قليل أو
كثير ، عظيم أو حقير ، إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا فإن الحلاف لا يكون برا ولا
تقياً )) قال ابن عباس : لا تجعلن الله عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر
عن يمينك واصنع الخير
[ أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ] أي لا تجعلوه تعالى سببا مانعا عن البر
والتقوى والإصلاح بين الناس ، وقد نزلت في (عبد الله بن رواحة) حين حلف ألا يكلم
ختنه " النعمان بن بشير " ولا يصلح بينه وبين أخته
[ والله سميع عليم ] أي سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم.. ثم قال تعالى :
[ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ] أي لا يؤاخذكم بما جرى على لسانكم من ذكر
اسم الله ، من غير قصد الحلف ، كقول أحدكم : بلى والله ، ولا والله ، لا يقصد به
اليمين
[ ولكن يؤاخذكم بما كسبتم قلوبكم ] أي يؤاخذكم بما قصدتم إليه وعقدتم القلب عليه
من الأيمان إذا حنثتم فيها
[ والله غفور حليم ] أي واسع المغفرة ، حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة.
البلاغة :
1- [ يسألونك عن الخمر والميسر ] فيه إيجاز بالحذف أي عن شرب الخمر وتعاطي
الميسر.
2- [ وإثمهما أكبر من نفعهما ] هذا من باب التفصيل بعد الإجمال وهو ما يسمى فى
البلاغة ب " الإطناب " .
3- [ كذلك يبين الله لكم الآيات ] فيه تشبيه مرسل مجمل.
4- [ المفسد من المصلح ] في الآية طباق بين كلمة " المفسد " و " المصلح " وهو من
المحسنات البديعية.
5- [ يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة ] كذلك يوجد طباق بين كلمة " النار "
وكلمة " الجنة " .
6- [ قل هو أذى ] فيه تشبيه بليغ ، حيث جعله عين الأذى والضرر ، فأصبح بليغاً وأصله
الحيض شيء مستقذر كالأذى فحذف ذلك مبالغة على حد قولهم : علي أسد.
7- [ ولا تقربوهن ] كناية عن الجماع ، أي لا تجامعوهن حال الحيض.
8- [ نساؤكم حرث ] هذا على سبيل التشبيه ، فالمرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد
كالنبات الخارج ، فالحرث بمعنى المحترث سمي به على سبيل المبالغة.
الفوائد :
الأولى : تسمى الخمر أم الخبائث لأنها سبب في كل فعل قبيح ، روى النسائي عن عثمان
رضي الله عنه أنه قال : (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن قبلكم
متعبد ، فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنا ندعوك للشهادة !!
فانطلق مع جاريتها ، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة
وضيئة ، عندها غلام وباطية خمر ، فقالت : إني ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع
علي ، أو تشرب من هذه الخمر كأسا أو تقتل هذا الغلام ، قال : فاسقيني من هذه الخمر
كأسا ، فسقته كأسا ، فقال : زيدوني فزادوه ، فلم يبرح حتى وقع عليها ، وقتل النفس ،
فاجتنبوا الخمر ، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر ، إلا يوشك أن يخرج
أحدهما صاحبه).
الثانية : فإن قيل : كيف يكون في الخمر منافع ، مع أنها تذهب بالعقل والمال ؟
والجواب أن المراد بالمنافع في الآية " المنافع المادية " حيث كانوا يتاجرون بها
فيربحون منها الربح الفاحش ، ويحتمل أن يراد بالنفع تلك (اللذة والنشوة)
المزعومة التى عبر عنها الشاعر بقوله : ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما
ينهنهنا اللقاء
قال القرطبي : وشارب الخمر يصير ضحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح
وجهه بها ، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول : اللهم اجعلنى من التوابين
واجعلنى من المتطهرين ، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول : أكرمك الله كما
أكرمتنى.
أنى شئتم ] من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة ، وهذه وأشباهها فى كلام
الله آداب حسنة ، على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ، ويتكلفوا مثلها في
محاورتهم ومكاتبتهم.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء