قال الله تعالى : [ وأتموا الحج والعمرة لله.. إلى.. واعلموا أنكم إليه تحشرون ]
سورة البقرة من آية (196) إلى نهاية آية (203).
المناسبة :
لما ذكر الله تعالى في الآيات السابقة أحكام الصيام ، أعقب ذلك بذكر أحكام الحج ،
لأن شهوره تأتي مباشرة بعد شهر الصيام ، وأما آيات القتال فقد ذكرت عرضا لبيان
حكم هام ، وهو بيان الأشهر الحرم والقتال فيها ، ثم عاد الكلام إلى أحكام الحج ،
وحكم الإحصار فيه ، فهذا هو وجه الارتباط بين الآيات السابقة واللاحقة.
اللغة :
[ أحصرتم ] الإحصار : معناه المنع والحبس ، يقال : حصره عن السفر ، وأحصره إذا حبسه
ومنعه ، قال الأزهري : حصر الرجل في الحبس ، وأحصر في السفر من مرض أو انقطاع به [ الهدي ] هو ما يهدى إلى بيت الله من أنواع النعم كالإبل والبقر والغنم وأقله
شاة
[ محله ] المحل : الموضع الذي يحل به نحر الهدي ، وهو الحرم أو مكان الإحصار للمحصر
[ النسك ] جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى
[ جناح ] إثم وأصله من الجنوح وهو الميل عن القصد
[ أفضتم ] أي دفعتهم ، وأصله من فاض الماء ، إذا سال منصبا ومعنى [ أفضتم من عرفات ]
أي دفعتم منها بقوة ، تشبيهاً بفيض الماء.
[ خلاق ] نصيب من رحمة الله تعالى
[ تحشرون ] تجمعون للحساب.
سبب النزول :
أولا : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ،
ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله عز وجل
[ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ] .
ثانيا : وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون
بالمزدلفة ، وكانوا يسمون (الحمس) وسائر العرب يقفون بعرفات ، فلما جاء الإسلام
أمر الله تعالى نبيه أن يأتي عرفات ، ثم يقف بها ثم يفيض منها ، وكانت قريش تفيض
من جمع من المشعر الحرام ، فأنزل الله تعالى [ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ] أي
أنزلوا من عرفة ، وساووا الناس في حجهم وعبادتهم.
التفسير :
[ وأتموا الحج والعمرة لله ] أي أدوهما تامين بأركانهما وشروطهما لوجه الله تعالى
[ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ] أي إذا منعتم عن إتمام الحج أو العمرة ، بمرض
أو عدو ، وأردتم التحلل فعليكم أن تذبحوا ما تيسر من بدنة ، أو بقرة ، أو شاة
[ ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ] أي لا تتحللوا من إحرامكم بالحلق أو
التقصير ، حتى يصل الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه وهو الحرم ، أو مكان الإحصار
[ فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ] أي فمن
كان منكم معشر المحرمين مريضا مرضا يتضرر معه بالشعر فحلق ،
أو كان به أذى من
رأسه كقمل وصداع فحلق في الإحرام ، فعليه فدية وهي : إما صيام ثلاثة أيام ، أو يتصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين ، أو يذبح ذبيحة وأقلها شاة [ فإذا أمنتم ] أي كنتم آمنين من أول الأمر ، أو صرتم بعد الإحصار آمنين
[ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ] أي من اعتمر في أشهر الحج ،
واستمتع بما يستمتع به غير المحرم ، من الطيب والنساء وغيرها ، فعليه ما تيسر من
الهدي ، وهو شاة يذبحها شكرا لله تعالى
[ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ] أي من لم يجد ثمن
الهدي ، فعليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة حين يحرم بالحج ، وسبعة إذا رجع إلى وطنه
[ تلك عشرة كاملة ] أى عشرة كاملة تجزئ عن الذبح ، وثوابها كثوابه من غير نقصان
[ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ] أي ذلك التمتع أو الهدي ، خاص بغير
أهل الحرم ، أما سكان الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدى
[ واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ] أي خافوا الله تعالى بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه ، واعلموا أن عقابه شديد لمن خالف أمره.. ثم بين تعالى وقت الحج
فقال :
[ الحج أشهر معلومات ] أي وقت الحج هو تلك الأشهر المعروفة بين الناس وهي (شوال ،
وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة)
[ فمن فرض فيهم الحج ] أي من ألزم نفسه الحج بالإحرام والتلبية
[ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ] أي لا يقرب النساء ، ولا يستمتع بهن فإنه
مقبل على الله قاصد لرضاه ، فعليه أن يترك الشهوات ، وأن يترك المعاصي ، والجدال ،
والخصام ، مع الرفقاء
[ وما تفعلوا من خير يعلمه الله ] أي وما تقدموا لأنفسكم من خير يجازيكم عليه
الله خير الجزاء
[ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ] أي تزودوا لآخرتكم بالتقوى فإنها خير زاد
[ واتقون يا أولي الألباب ] أي خافون واتقوا عقابي يا ذوي العقول والأفهام
[ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ] أي لا حرج ولا إثم عليكم ، في التجارة
في أثناء الحج ، فإن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية... وقد كانوا
يتأثمون من ذلك فنزلت الآية تبيح لهم الاتجار في أشهر الحج
[ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ] أي إذا دفعتم من عرفات
بعد الوقوف بها ، فاذكروا الله بالدعاء والتضرع ، والتكبير والتهليل ، عند المشعر
الحرام بالمزدلفة
[ واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ] أي اذكروه ذكرا حسنا كما
هداكم هداية حسنة ، واشكروه على نعمة الهداية والإيمان ، فقد كنتم قبل هدايته لكم
في عداد الضالين ، الجاهلين بالإيمان وشرائع الدين
[ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ] أي ثم انزلوا من عرفة حيث ينزل الناس ، لا من
المزدلفة ، والخطاب لقريش حيث كانوا يترفعون على الناس أن يقفوا معهم ، وكانوا
يقولون : نحن أهل الله وسكان حرمه ، فلا نخرج منه ، فيقفون في المزدلفة لأنها من
الحرم ، ثم يفيضون منها وكانوا يسمون " الحمس " فأمر الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) أن يأتي
عرفة ، ثم يقف بها ثم يفيض منها
[ واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ] أي استغفروا الله عما سلف منكم من المعاصي ،
فإن الله عظيم المغفرة ، واسع الرحمة
[ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ] أي إذا فرغتم من
أعمال الحج وانتهيتم منها فأكثروا ذكره ، وبالغوا في ذلك كما كنت تذكرون آباءكم ،
وتعدون مفاخرهم بل أشد ، قال المفسرون : كانوا يقفون بمنى بين المسجد والجبل بعد
قضاء المناسك ، فيذكرون مفاخر آبائهم ومحاسن أيامهم ، فأمروا أن يذكروا الله وحده
[ فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ] أي من الناس
رأسه كقمل وصداع فحلق في الإحرام ، فعليه فدية وهي : إما صيام ثلاثة أيام ، أو يتصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين ، أو يذبح ذبيحة وأقلها شاة [ فإذا أمنتم ] أي كنتم آمنين من أول الأمر ، أو صرتم بعد الإحصار آمنين
[ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ] أي من اعتمر في أشهر الحج ،
واستمتع بما يستمتع به غير المحرم ، من الطيب والنساء وغيرها ، فعليه ما تيسر من
الهدي ، وهو شاة يذبحها شكرا لله تعالى
[ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ] أي من لم يجد ثمن
الهدي ، فعليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة حين يحرم بالحج ، وسبعة إذا رجع إلى وطنه
[ تلك عشرة كاملة ] أى عشرة كاملة تجزئ عن الذبح ، وثوابها كثوابه من غير نقصان
[ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ] أي ذلك التمتع أو الهدي ، خاص بغير
أهل الحرم ، أما سكان الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدى
[ واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ] أي خافوا الله تعالى بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه ، واعلموا أن عقابه شديد لمن خالف أمره.. ثم بين تعالى وقت الحج
فقال :
[ الحج أشهر معلومات ] أي وقت الحج هو تلك الأشهر المعروفة بين الناس وهي (شوال ،
وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة)
[ فمن فرض فيهم الحج ] أي من ألزم نفسه الحج بالإحرام والتلبية
[ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ] أي لا يقرب النساء ، ولا يستمتع بهن فإنه
مقبل على الله قاصد لرضاه ، فعليه أن يترك الشهوات ، وأن يترك المعاصي ، والجدال ،
والخصام ، مع الرفقاء
[ وما تفعلوا من خير يعلمه الله ] أي وما تقدموا لأنفسكم من خير يجازيكم عليه
الله خير الجزاء
[ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ] أي تزودوا لآخرتكم بالتقوى فإنها خير زاد
[ واتقون يا أولي الألباب ] أي خافون واتقوا عقابي يا ذوي العقول والأفهام
[ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ] أي لا حرج ولا إثم عليكم ، في التجارة
في أثناء الحج ، فإن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية... وقد كانوا
يتأثمون من ذلك فنزلت الآية تبيح لهم الاتجار في أشهر الحج
[ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ] أي إذا دفعتم من عرفات
بعد الوقوف بها ، فاذكروا الله بالدعاء والتضرع ، والتكبير والتهليل ، عند المشعر
الحرام بالمزدلفة
[ واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ] أي اذكروه ذكرا حسنا كما
هداكم هداية حسنة ، واشكروه على نعمة الهداية والإيمان ، فقد كنتم قبل هدايته لكم
في عداد الضالين ، الجاهلين بالإيمان وشرائع الدين
[ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ] أي ثم انزلوا من عرفة حيث ينزل الناس ، لا من
المزدلفة ، والخطاب لقريش حيث كانوا يترفعون على الناس أن يقفوا معهم ، وكانوا
يقولون : نحن أهل الله وسكان حرمه ، فلا نخرج منه ، فيقفون في المزدلفة لأنها من
الحرم ، ثم يفيضون منها وكانوا يسمون " الحمس " فأمر الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) أن يأتي
عرفة ، ثم يقف بها ثم يفيض منها
[ واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ] أي استغفروا الله عما سلف منكم من المعاصي ،
فإن الله عظيم المغفرة ، واسع الرحمة
[ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ] أي إذا فرغتم من
أعمال الحج وانتهيتم منها فأكثروا ذكره ، وبالغوا في ذلك كما كنت تذكرون آباءكم ،
وتعدون مفاخرهم بل أشد ، قال المفسرون : كانوا يقفون بمنى بين المسجد والجبل بعد
قضاء المناسك ، فيذكرون مفاخر آبائهم ومحاسن أيامهم ، فأمروا أن يذكروا الله وحده
[ فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ] أي من الناس
الآخرة من حظ ولا نصيب
[ ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ] أي ومنهم من يطلب
خيري الدنيا والآخرة وهو المؤمن العاقل ، وقد جمعت هذه الدعوة كل خير ، وصرفت كل
شر ، فالحسنة في الدنيا تشمل الصحة والعافية ، والدار الرحبة ، والزوجة الحسنة ،
والرزق الواسع إلى غير ما هنالك ، والحسنة في الآخرة تشمل الأمن من الفزع
الأكبر ، وتيسير الحساب ، ودخول الجنة ، والنظر إلى وجه الله الكريم إلخ
[ وقنا عذاب النار ] أي نجنا من عذاب جهنم
[ أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سرع الحساب ] أي هؤلاء الذين طلبوا سعادة
الدارين ، لهم حظ وافر مما عملوا من الخيرات ، والله سريع الحساب يحاسب الخلائق
بقدر لمحة بصر
[ واذكروا الله في أيام معدودات ] أي كبروا الله في أعقاب الصلوات وعند رمي
الجمرات ، في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر
[ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ] أي من استعجل بالنفر من منى بعد تمام يومين
من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك فنفر فلا حرج
عليه
[ ومن تأخر فلا إثم عليه ] أي ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث – وهو النفر
الثاني – فلا حرج عليه أيضا وهو اليوم الرابع من عيد الأضحى
[ لمن اتقى ] لمن أراد أن يتقي الله ، فيأتي بالحج على الوجه الأكمل
[ واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ] أي خافوا الله تعالى واعلموا أنكم
مجموعون إليه للحساب ، فيجازيكم بأعمالكم!
البلاغة :
1- [ يبلغ الهدى محله ] كناية عن ذبحه في مكان الإحصار.
2- [ فمن كان منكم مريضا ] فيه إيجاز بالحذف أي كان مريضا فحلق أو به أذى من رأسه
فحلق ، فعليه فدية.
3- [ وسبعة إذا رجعتم ] فيه التفات من الغائب إلى المخاطب ، وهو من المحسنات
البديعية.
4- [ تلك عشرة كاملة ] فيه إجمال بعد التفصيل وهذا من باب " الإطناب " وفائدته
زيادة التأكيد والمبالغة في المحافظة على صيامها ، وعدم التهاون بها أو تنقيص
عددها.
5- [ واتقوا الله واعلموا أن الله ] إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية
المهابة وإدخال الروعة في النفس.
6- [ فلا رفث ولا فسوق ] صيغته نفي وحقيقته نهي ، أي لا يرفث ولا يفسق ، وهو أبلغ
من النهي الصريح ، لأنه يفيد أن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع أصلا ، فإن ما كان
منكرا مستقبحاً في نفسه ففي أشهر الحج يكون أقبح وأشنع ففي الإتيان بصيغة
الخبر ، وإرادة النهي مبالغة واضحة.
7- [ فاذكروا الله كذكركم آباءكم ] فيه تشبيه تمثيلي يسمى (مرسلا مجملا).
8- المقابلة اللطيفة بين [ فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا ] وبين [ ومنهم
من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ] الآية.
فائدة :
أصل النسك : العبادة ، وسميت (ذبيحة الأنعام) نسكا لأنها من أشرف العبادات التي
يتقرب بها المؤمن إلى الله تعالى ، وبخاصة فى موسم الحج.
فائدة ثانية : زاد الدنيا يوصل إلى مراد النفس وشهواتها ، وزاد الآخرة يوصل إلى
النعيم المقيم في الآخرة ، ولهذا ذكر تعالى زاد الآخرة وهو الزاد النافع ، وفي
هذا المعنى يقول الأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء