قال الله تعالى : [ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا.. إلى .. ولا تسألون عما
كانوا يعملون ] سورة البقرة من آية (135) إلى نهاية آية (141).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أن ملة إبراهيم هي ملة الحنيفية السمحة ، وأن من لم يؤمن بها ورغب
عنها ، فقد بلغ الذروة العليا في الجهالة والسفاهة ، ذكر تعالى ما عليه أهل
الكتاب ، من الدعاوى الباطلة ، من زعمهم أن الهداية في اتباع (اليهودية
والنصرانية) ، وبين أن تلك الدعوى لم تكن عن دليل أو شبهة ، بل هي مجرد جحود
للإسلام وعناد ، ثم عقب ذلك بأن الدين الحق هو في التمسك بالإسلام ، دين جميع
الأنبياء والمرسلين.
اللغة :
[ حنيفا ] الحنيف : المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق ، والحنف الميل ، وبه سمي
الاحنف لميل في إحدى قدميه ، قال الشاعر : ولكنا خلقنا إذ خلقنا حنيفا ديننا عن
كل دين.
[ الأسباط ] جمع سبط وهم حفدة يعقوب أي ذريات أبنائه وكانوا اثنى عشر سبطا وهم في
بني إسرائيل كالقبائل في العرب
[ شقاق ] الشقاق : المخالفة والعداوة ، وأصله من الشق وهو الجانب ، أي صار هذا في شق
وهذا في شق .
[ فسيكفيكهم ] من الكفاية بمعنى الوقاية
[ صبغة الله ] الصبغة مأخوذة من الصبغ وهو تغيير الشيء بلون من الألوان ، والمراد
بها هنا : الدين
[ أتحاجوننا ] أتجادلوننا من المحاجة وهي المجادلة
[ مخلصون ] الإخلاص أن يقصد بالعمل وجه الله وحده ، من غير مباهاة ولا رياء.
التفسير :
[ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ] أي قال اليهود :
كونوا على ملتنا يهودا
تهتدوا ، وقال النصارى : كونوا نصارى تهتدوا ، فكل من الفريقين يدعونا إلى دينه
الباطل الأعوج
[ قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ] أي قل لهم يا محمد بل نتبع ملة
(الحنيفية السمحة) ، وهي ملة إبراهيم حال كونه مائلا عن الأديان كلها إلى الدين
القيم ، وما كان إبراهيم من المشركين بل كان مؤمنا موحداً ، وفيه تعريض بأهل
الكتاب ، وإيذان بأن ما هم عليه إنما هو شرك وضلال
[ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ] أي قولوا أيها المؤمنون آمنا بالله ، وما
أنزل إلينا من القرآن العظيم
[ وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ] أي وآمنا بما أنزل إلى
إبراهيم من الصحف والأحكام التي كان الأنبياء متعبدين بها ، وكذلك حفدة إبراهيم
وإسحاق وهم الأسباط حيث كانت النبوة فيهم
[ وما أوتي موسى وعيسى ] أي من التوراة والإنجيل
[ وما أوتي النبيون من ربهم ] أي ونؤمن بما أنزل على غيرهم من الأنبياء جميعا ،
ونصدق بما جاءوا به من عند الله ، من الآيات البينات والمعجزات الباهرات
[ لا نفرق بين أحد منهم ] أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض ، كما فعلت اليهود
والنصارى
[ ونحن له مسلمون ] أي منقادون لأمر الله خاضعون لحكمه
[ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ] أي إن آمن أهل الكتاب بنفس ما آمنتم
به يا معشر المؤمنين ، فقد اهتدوا إلى الحق كما اهتديتم
[ وإن تولوا فإنما هم في شقاق ] أي وإن أعرضوا عن الإيمان بما دعوتهم إليه ، فاعلم
أنهم إنما يريدون عداوتك وخلافك ، وليسوا من طلب الحق في شيء
[ فسيكيفيكم الله ] أي سيكفيك يا محمد ربك شره وأذاهم ويعصمك منهم
[ وهو السميع العليم ] أي هو تعالى يسمع ما ينطقون به ، ويعلم ما يضمرونه في
قلوبهم من المكر والشر
[ صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ] ؟ أي ما نحن عليه من الإيمان والتصديق ، هو
دين الله الحق ، الذي صبغنا به وفطرنا عليه ، فظهر أثره علينا كما يظهر الصبغ في
الثوب ، ولا أحد أحسن من الله صبغة أي دينا
[ ونحن له عابدون ] أي ونحن نعبده جل وعلا ولا نعبد أحداً سواه
[ قل أتحاجوننا في الله ] أي أتجادلوننا في شأن الله ، زاعمين أنكم أبناء الله
وأحباؤه ، وأن الأنبياء منكم دون غيركم ؟
[ وهو ربنا وربكم ] أي رب الجميع على السواء ، وكلنا عبيده
[ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] أي لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم ، لا يتحمل
أحد وزر غيره
[ ونحن له مخلصون ] أي قد أخلصنا الدين والعمل لله
[ أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ] ؟
أي أم تدعون يا معشر أهل الكتاب أن هؤلاء الرسل وأحفادهم كانوا يهودا أو نصارى
[ قل أأنتم أعلم أم الله ] أي هل أنتم أعلم بديانتهم أم الله عز وجل ؟ وقد شهد
الله لهم بملة الإسلام ، وبرأهم من اليهودية والنصرانية بقوله : [ ما كان إبراهيم
يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ] فكيف تزعمون أنهم على دينكم ؟
[ ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ] أي لا أحد أظلم ، ممن أخفى وكتم ما
اشتملت عليه آيات التوراة والإنجيل ، من البشارة برسول الله ؟ وأن الأنبياء
الكرام كانوا على الإسلام
[ وما الله بغافل عما تعملون ] أي هو تعالى مطلع على أعمالهم ومجازيهم عليها ،
وفيه وعيد شديد مع التهديد
[ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ] كررها
لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ، أي إذا كان أولئك الأنبياء على فضلهم
وجلالة قدرهم ، يجازون بكسبهم فأنتم أحرى ، وقد تقدم تفسيرها.
البلاغة :
1- [ وقالوا كونوا هودا أو نصارى ] فيه إيجاز بالحذف أي قال اليهود كونوا يهوداً ،
تهتدوا ، وقال النصارى : كونوا نصارى تهتدوا ، فكل من الفريقين يدعونا إلى دينه
الباطل الأعوج
[ قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ] أي قل لهم يا محمد بل نتبع ملة
(الحنيفية السمحة) ، وهي ملة إبراهيم حال كونه مائلا عن الأديان كلها إلى الدين
القيم ، وما كان إبراهيم من المشركين بل كان مؤمنا موحداً ، وفيه تعريض بأهل
الكتاب ، وإيذان بأن ما هم عليه إنما هو شرك وضلال
[ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ] أي قولوا أيها المؤمنون آمنا بالله ، وما
أنزل إلينا من القرآن العظيم
[ وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ] أي وآمنا بما أنزل إلى
إبراهيم من الصحف والأحكام التي كان الأنبياء متعبدين بها ، وكذلك حفدة إبراهيم
وإسحاق وهم الأسباط حيث كانت النبوة فيهم
[ وما أوتي موسى وعيسى ] أي من التوراة والإنجيل
[ وما أوتي النبيون من ربهم ] أي ونؤمن بما أنزل على غيرهم من الأنبياء جميعا ،
ونصدق بما جاءوا به من عند الله ، من الآيات البينات والمعجزات الباهرات
[ لا نفرق بين أحد منهم ] أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض ، كما فعلت اليهود
والنصارى
[ ونحن له مسلمون ] أي منقادون لأمر الله خاضعون لحكمه
[ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ] أي إن آمن أهل الكتاب بنفس ما آمنتم
به يا معشر المؤمنين ، فقد اهتدوا إلى الحق كما اهتديتم
[ وإن تولوا فإنما هم في شقاق ] أي وإن أعرضوا عن الإيمان بما دعوتهم إليه ، فاعلم
أنهم إنما يريدون عداوتك وخلافك ، وليسوا من طلب الحق في شيء
[ فسيكيفيكم الله ] أي سيكفيك يا محمد ربك شره وأذاهم ويعصمك منهم
[ وهو السميع العليم ] أي هو تعالى يسمع ما ينطقون به ، ويعلم ما يضمرونه في
قلوبهم من المكر والشر
[ صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ] ؟ أي ما نحن عليه من الإيمان والتصديق ، هو
دين الله الحق ، الذي صبغنا به وفطرنا عليه ، فظهر أثره علينا كما يظهر الصبغ في
الثوب ، ولا أحد أحسن من الله صبغة أي دينا
[ ونحن له عابدون ] أي ونحن نعبده جل وعلا ولا نعبد أحداً سواه
[ قل أتحاجوننا في الله ] أي أتجادلوننا في شأن الله ، زاعمين أنكم أبناء الله
وأحباؤه ، وأن الأنبياء منكم دون غيركم ؟
[ وهو ربنا وربكم ] أي رب الجميع على السواء ، وكلنا عبيده
[ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] أي لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم ، لا يتحمل
أحد وزر غيره
[ ونحن له مخلصون ] أي قد أخلصنا الدين والعمل لله
[ أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ] ؟
أي أم تدعون يا معشر أهل الكتاب أن هؤلاء الرسل وأحفادهم كانوا يهودا أو نصارى
[ قل أأنتم أعلم أم الله ] أي هل أنتم أعلم بديانتهم أم الله عز وجل ؟ وقد شهد
الله لهم بملة الإسلام ، وبرأهم من اليهودية والنصرانية بقوله : [ ما كان إبراهيم
يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ] فكيف تزعمون أنهم على دينكم ؟
[ ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ] أي لا أحد أظلم ، ممن أخفى وكتم ما
اشتملت عليه آيات التوراة والإنجيل ، من البشارة برسول الله ؟ وأن الأنبياء
الكرام كانوا على الإسلام
[ وما الله بغافل عما تعملون ] أي هو تعالى مطلع على أعمالهم ومجازيهم عليها ،
وفيه وعيد شديد مع التهديد
[ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ] كررها
لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ، أي إذا كان أولئك الأنبياء على فضلهم
وجلالة قدرهم ، يجازون بكسبهم فأنتم أحرى ، وقد تقدم تفسيرها.
البلاغة :
1- [ وقالوا كونوا هودا أو نصارى ] فيه إيجاز بالحذف أي قال اليهود كونوا يهوداً ،
دين الآخر باطلا.
2- [ فسيكفيكهم الله ] فيه إيجاز ظاهر أي يكفيك الله شرهم ، وتصدير الفعل بالسين
دون سوف ، مشعر بأن ظهوره عليهم واقع في زمن قريب.
3- [ السميع العليم ] من صيغ المبالغة ومعناه الذين أحاط سمعه وعلمه بجميع
الأشياء.
4- [ صبغة الله ] سمي الدين صبغة بطريق الاستعارة حيث تظهر سمته على المؤمن كما
يظهر أثر الصبغ في الثوب.
5- [ أتجادلوننا في الله ] الاستفهام وارد على جهة التوبيخ والتقريع.
الفوائد :
الفائدة الأولى : تكرر ورود هذه الآية [ وما الله بغافل عما تعملون ] قال أبو
حيان : ولا تأتي الجملة إلا عقب ارتكاب معصية ، فتجيء متضمنة وعيدا ، ومعلمة أن
الله لا يترك أمرهم سدى.
الثانية : قال ابن عباس : إن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة
أيام ، صبغوه في ماء لهم يقال له : (المعمودي) ليطهروه بذلك ، ويقولون هذا طهور
مكان الختان ، فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا ، فأنزل الله هذه الآية.
الثالثة : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل
الإسلام فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا
بالله وما أنزل إلينا " .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء