قال الله تعالى : [ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل.. إلى .. ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ] سورة البقرة من آية (87) إلى نهاية آية (92).
اللغة :
[ الكتاب ] التوراة
[ وقفينا ] أردفنا وأتبعنا ، وأصله من القفا يقال : قفاه إذا اتبعه ، وقفاه بكذا إذا اتبعه إياه
[ البينات ] المعجزات الباهرات كإبراء الأعمى والأبرص ، وإحياء الموتى
[ أيدناه ] قويناه مأخوذ من الأيد وهو القوة
[ روح القدس ] جبريل عليه السلام ، والقدس : الطهر والبركة
[ تهوى ] تحب من هوي إذا أحب ومصدره الهوى
[ غلف ] جمع أغلف ، والغلاف : الغطاء ، يقال : سيف أغلف إذا كان في غلافه ، وقلب أغلف أي مستور عن الفهم والتمييز ، مستعار من (الأغلف) وهو الذى لم يختن
[ لعنهم ] أصل اللعن فى كلام العرب : الطرد والإبعاد ، يقال : ذئب لعين أي مطرود مبعد ، والمراد : أقصاهم وأبعدهم عن رحمته
[ يستفتحون ] يستنصرون من الاستفتاح وهو طلب الفتح أي النصرة
[ بئسما ] أصلها بئس ما أي بئس الذي ، وبئس فعل للذم ، كما أن " نعم " للمدح
[ بغيا ] البغي : الحسد والظلم ، وأصله الفساد من بغى الجرح إذا فسد ، قاله الأصمعي
[ باءوا ] رجعوا ، وأكثر ما يستعمل في الشر ، كقولهم : باء بالخزي واللعنة.
[ مهين ] مخز مذل ، مأخوذ من الهوان بمعنى الذل.
المناسبة :
لا تزال الايات تتحدث عن بنى اسرائيل ، وفى هذه الايات الكريمة تذكير لهم بضرب من النعم ، التى أكرمهم الله بها ، ثم قابلوها بالكفر والاجرام ، كعادتهم فى مقابلة الاحسان بالاساءة ، والنعمة بالكفران والجحود.
التفسير :
[ ولقد آتينا موسى الكتاب ] أي أعطينا موسى التوراة
[ وقفينا من بعده بالرسل ] أي أتبعنا وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل
[ وآتينا عيسى ابن مريم البينات ] أي أعطينا عيسى الآيات البينات ، والمعجزات الواضحات الدالة على نبوته
[ وأيدناه بروح القدس ] أي قويناه وشددنا أزره بأمين السماء (جبريل) عليه السلام
[ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم ] أي أفكلما جاءكم يا بني إسرائيل ، رسول بما لا يوافق هواكم
[ استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ] أي تكبرتم عن اتباعه ، فطائفة منهم كذبتموهم ، وطائفة قتلتموهم ؟. ثم أخبر تعالى عن اليهود المعاصرين للنبى (صلى الله عليه وسلم) وبين ضلالهم فى اقتدائهم بالأسلاف ، فقال حكاية عنهم
[ وقالوا قلوبنا غلف ] أي مغطاة في أكنة لا تفقه ولا تعي ما تقوله يا محمد ، والغرض إقناطه عليه السلام من إيمانهم ، قال تعالى ردا عليهم :
[ بل لعنهم الله بكفرهم ] أي طردهم وأبعدهم من رحمته ، بسبب كفرهم وضلالهم
[ فقليلا ما يؤمنون ] أي فقليل من يؤمن منهم ، أو يؤمنون إيمانا قليلا ، وهو إيمانهم ببعض الكتاب ، وكفرهم بالبعض الآخر
[ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ] وهو القرآن العظيم الذي أنزل على خاتم المرسلين ، مصدقا لما في التوراة
[ وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ] أي وقد كانوا قبل مجيئه يستنصرون به على أعدائهم ، ويقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة
[ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ] أي فلما بعث محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي عرفوه حق المعرفة كفروا برسالته
[ فلعنة الله على الكافرين ] أي لعنة الله على اليهود ، الذين كفروا بخاتم المرسلين
[ بئسما اشتروا به أنفسهم ] أي بئس الشئ التافه ، الذى باع به هؤلاء اليهود أنفسهم
[ أن يكفروا بما أنزل الله ] أي كفرهم بالقرآن الذي أنزله الله على خاتم رسله
[ أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ] أي حسدا منهم ، من أجل أن ينزل الله وحيا من فضله على من يشاء ويصطفيه من خلقه
[ فباءوا بغضب على غضب ] أي رجعوا بغضب من الله زيادة على سابق غضبه عليهم
[ وللكافرين عذاب مهين ] أي ولهم عذاب شديد مع الإهانة والإذلال ، لأن كفرهم سببه التكبر والحسد ، فقوبلوا بالإهانة والصغار
[ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ] أي آمنوا بما أنزل الله من القرآن العظيم ، وصدقوه واتبعوه
[ قالوا نؤمن بما أنزل علينا ] أي يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة
[ ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ] أي يكفرون بالقرآن مع أنه هو الحق ، موافقا لما معهم من كلام الله
[ قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ] ؟ أي قل لهم يا أيها الرسول ، إذا كنتم صادقين في دعوى الإيمان ، فلم قتلتم أنبياء الله ، الذين بعثهم الله لهدايتكم ، قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) ؟ وهل يقتل مؤمن نبيا ، إذا كان صادقا في دعوى الإيمان ؟
[ ولقد جاءكم موسى بالبينات ] أي بالحجج الباهرات
[ ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ] أي عبدتم العجل من بعد ذهابه إلى الطور ، وأنتم ظالمون لأنفسكم في هذا الصنيع القبيح!
البلاغة :
1- تقديم المفعول في الموضعين [ فريقا كذبتم ] و[ فريقا تقتلون ] للاهتمام وتشويق السامع إلى ما يلقى إليه.
2- التعبير بالمضارع [ وفريقا تقتلون ] ولم يقل " قتلتم " كما قال كذبتم ، لأن الفعل المضارع – كما هو المألوف في أساليب البلاغة – يستعمل فى الأفعال الماضية ، التي بلغت من الفظاعة مبلغاً عظيما ، فكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السامع ، وجعله ينظر إليها بعينه ، فيكون إنكاره لها أبلغ ، واستفظاعه لها أعظم.
3- وضع الظاهر مكان الضمير [ فلعنة الله على الكافرين ] ولم يقل " عليهم " ليشعر بأن سبب حلول اللعنة هو كفرهم الفظيع.
4- الإخبار في قوله : [ ولقد جاءكم موسى بالبينات ] يراد به التبكيت والتوبيخ على عدم اتباع الرسول (صلى الله عليه وسلم).
5- أسندت الإهانة إلى العذاب فقال : [ عذاب مهين ] لأن الإهانة تحصل بعذابهم ، ومن أساليب البيان إسناد الأفعال إلى أسبابها.
فائدة :
قال الحسن البصري : إنما سمى جبريل (روح القدس) لأن القدس هو الله ، وروحه جبريل ، فالإضافة للتشريف ، قال الرازي : ومما يدل على أن روح القدس جبريل ، قوله تعالى في سورة النحل : [ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ] .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء