قال الله تعالى : [ ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر.. إلى .. إن الله على كل شئ قدير ] من آية (8) إلى نهاية آية (20).
المناسبة :
لما ذكر تعالى فى أول السورة صفات المؤمنين ، وأعقبها بذكر صفات الكافرين ، ذكر هنا " المنافقين " وهم الصنف الثالث ، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وأطنب بذكرهم فى ثلاث عشرة آية ، لينبه إلى عظيم خطرهم ، وكبير ضررهم ، ثم عقب ذلك بضرب مثلين ، زيادة فى الكشف والبيان ، وتوضيحا لما تنطوى عليه نفوسهم من ظلمة الضلال والنفاق ، وما يئول إليه حالهم من الهلاك والدمار.
اللغة :
[ يخادعون ] الخداع : المكر ، والاحتيال ، وإظهار خلاف
الباطن ، وأصله الإخفاء ومنه سمى الدهر خادعاً لما يخفي من غوائله ، وسمى المخدع
مخدعا لتستر أصحاب المنزل فيه
[ مرض ] المرض : السقم وهو ضد الصحة وقد يكون حسيا كمرض الجسم ، أو معنوياً كمرض النفاق ، ومرض الحسد والرياء ، قال ابن فارس : المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة ، أو نفاق ، أو تقصير فى أمر
[ تفسدوا ] الفساد : العدول عن الاستقامة وهو ضد الصلاح
[ السفهاء ] جمع سفيه وهو الجاهل ، الضعيف الرأى ، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار ، وأصل السفه : الخفة ، والسفيه : الخفيف العقل. قال علماء اللغة : السفه : خفة وسخافة رأي ، يقتضيان نقصان العقل والحلم يقابله.
[ طغيانهم ] الطغيان : مجاوزة الحد فى كل شيء ، ومنه قوله تعالى : [ إنا لما طغى الماء ] أي ارتفع وعلا وجاوز حده ، والطاغية : الجبار العنيد
[ يعمهون ] العمه : التحير والتردد فى الشيء ، يقال : عمه يعمه فهو عمه. قال رؤبة : " أعمى الهدى بالحائرين العمه " . قال الفخر الرازي : العمه مثل العمى ، إلا أن العمى عام فى البصر والرأي ، والعمه فى الرأي خاصة ، وهو التردد والتحير ، بحيث لا يدري أين يتوجه
[ اشتروا ] حقيقة الاشتراء : الاستبدال ، وأصله بذل الثمن لتحصيل الشئ المطلوب ، والعرب تقول لمن استبدل شيئا بشئ اشتراه ، قال الشاعر :
فإن تزعمينى كنت أجهل فيكم فإنى اشتريت الحلم بعدك بالجهل
[ صم ] جمع أصم وهو الذى لا يسمع
[ بكم ] جمع أبكم وهو الأخرس الذي لا ينطق
[ عمي ] جمع أعمى وهو الذى فقد بصره
[ صيب ] الصيب : المطر الغزير مأخوذ من الصوب وهو النزول بشدة ، قال الشاعر : " سقتك روايا المزن حيث تصوب "
[ الصواعق ] جمع صاعقة وهى نار محرقة لا تمر بشيء إلا أتت عليه ، مشتقة من الصعق وهو شدة الصوت
[ السماء ] السماء فى اللغة : كل ما علاك فأظلك ، ومنه قيل لسقف البيت سماء ، ويسمى المطر سماء لنزوله من السماء قال الشاعر :
إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
[ يخطف ] الخطف : الأخذ بسرعة ومنه قوله تعالى : (إلا من خطف الخطفة) وسمى الطير خطافا لسرعته ، والخاطف الذي يأخذ الشئ بسرعة شديدة.
سبب النزول :
قال ابن عباس : نزلت هذه الآيات فى المنافقين من أمثال " عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس " كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ويقولون : إنا لنجد فى كتابنا نعته وصفته.
التفسير :
[ ومن الناس من يقول آمنا بالله ] أي ومن الناس فريق يقولون بألسنتهم : صدقنا بالله ، وبما أنزل على رسوله من الآيات البينات
[ وباليوم الآخر ] أي وصدقنا بالبعث والنشور
[ وما هم بمؤمنين ] أي وما هم على الحقيقة بمصدقين ولا مؤمنين لأنهم يقولون ذلك قولاً دون اعتقاد ، وكلاماً دون تصديق. قال البيضاوي : هذا هو القسم الثالث المذبذب بين القسمين ، وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله ، لأنهم موهوا الكفر ، وخلطوا به خداعا واستهزاءً ، ولذلك أطال القرآن فى بيان خبثهم وجهلهم ، واستهزأ بهم وتهكم بأفعالهم ، وسجل عليهم الطغيان والضلال ، وضرب لهم الأمثال
[ يخادعون الله والذين آمنوا ] أي يعملون عمل المخادع ، بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إصرارهم على الكفر ، يعتقدون – بجهلهم – أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين ، وما علموا أن الله لا يُخدع ، لأنه لا تخفى عليه خافية ، قال ابن كثير : النفاق هو إظهار الخير ، وإسرار الشر وهو أنواع : (اعتقادي) وهو الذي يخلد صاحبه فى النار ، و(عملى) وهو من أكبر الذنوب والأوزار ، لأن المنافق يخالف قوله فعله ، وسره علانيته ، وإنما نزلت صفات المنافقين في (السور المدنية) ، لأن مكة لم يكن بها نفاق بل كان خلافه
[ مرض ] المرض : السقم وهو ضد الصحة وقد يكون حسيا كمرض الجسم ، أو معنوياً كمرض النفاق ، ومرض الحسد والرياء ، قال ابن فارس : المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة ، أو نفاق ، أو تقصير فى أمر
[ تفسدوا ] الفساد : العدول عن الاستقامة وهو ضد الصلاح
[ السفهاء ] جمع سفيه وهو الجاهل ، الضعيف الرأى ، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار ، وأصل السفه : الخفة ، والسفيه : الخفيف العقل. قال علماء اللغة : السفه : خفة وسخافة رأي ، يقتضيان نقصان العقل والحلم يقابله.
[ طغيانهم ] الطغيان : مجاوزة الحد فى كل شيء ، ومنه قوله تعالى : [ إنا لما طغى الماء ] أي ارتفع وعلا وجاوز حده ، والطاغية : الجبار العنيد
[ يعمهون ] العمه : التحير والتردد فى الشيء ، يقال : عمه يعمه فهو عمه. قال رؤبة : " أعمى الهدى بالحائرين العمه " . قال الفخر الرازي : العمه مثل العمى ، إلا أن العمى عام فى البصر والرأي ، والعمه فى الرأي خاصة ، وهو التردد والتحير ، بحيث لا يدري أين يتوجه
[ اشتروا ] حقيقة الاشتراء : الاستبدال ، وأصله بذل الثمن لتحصيل الشئ المطلوب ، والعرب تقول لمن استبدل شيئا بشئ اشتراه ، قال الشاعر :
فإن تزعمينى كنت أجهل فيكم فإنى اشتريت الحلم بعدك بالجهل
[ صم ] جمع أصم وهو الذى لا يسمع
[ بكم ] جمع أبكم وهو الأخرس الذي لا ينطق
[ عمي ] جمع أعمى وهو الذى فقد بصره
[ صيب ] الصيب : المطر الغزير مأخوذ من الصوب وهو النزول بشدة ، قال الشاعر : " سقتك روايا المزن حيث تصوب "
[ الصواعق ] جمع صاعقة وهى نار محرقة لا تمر بشيء إلا أتت عليه ، مشتقة من الصعق وهو شدة الصوت
[ السماء ] السماء فى اللغة : كل ما علاك فأظلك ، ومنه قيل لسقف البيت سماء ، ويسمى المطر سماء لنزوله من السماء قال الشاعر :
إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
[ يخطف ] الخطف : الأخذ بسرعة ومنه قوله تعالى : (إلا من خطف الخطفة) وسمى الطير خطافا لسرعته ، والخاطف الذي يأخذ الشئ بسرعة شديدة.
سبب النزول :
قال ابن عباس : نزلت هذه الآيات فى المنافقين من أمثال " عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس " كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ويقولون : إنا لنجد فى كتابنا نعته وصفته.
التفسير :
[ ومن الناس من يقول آمنا بالله ] أي ومن الناس فريق يقولون بألسنتهم : صدقنا بالله ، وبما أنزل على رسوله من الآيات البينات
[ وباليوم الآخر ] أي وصدقنا بالبعث والنشور
[ وما هم بمؤمنين ] أي وما هم على الحقيقة بمصدقين ولا مؤمنين لأنهم يقولون ذلك قولاً دون اعتقاد ، وكلاماً دون تصديق. قال البيضاوي : هذا هو القسم الثالث المذبذب بين القسمين ، وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله ، لأنهم موهوا الكفر ، وخلطوا به خداعا واستهزاءً ، ولذلك أطال القرآن فى بيان خبثهم وجهلهم ، واستهزأ بهم وتهكم بأفعالهم ، وسجل عليهم الطغيان والضلال ، وضرب لهم الأمثال
[ يخادعون الله والذين آمنوا ] أي يعملون عمل المخادع ، بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إصرارهم على الكفر ، يعتقدون – بجهلهم – أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين ، وما علموا أن الله لا يُخدع ، لأنه لا تخفى عليه خافية ، قال ابن كثير : النفاق هو إظهار الخير ، وإسرار الشر وهو أنواع : (اعتقادي) وهو الذي يخلد صاحبه فى النار ، و(عملى) وهو من أكبر الذنوب والأوزار ، لأن المنافق يخالف قوله فعله ، وسره علانيته ، وإنما نزلت صفات المنافقين في (السور المدنية) ، لأن مكة لم يكن بها نفاق بل كان خلافه
[ وما يخدعون إلا أنفسهم ] أي وما يخدعون في الحقيقة إلا
أنفسهم لأن وبال فعلهم راجع عليهم
[ وما يشعرون ] أي ولا يحسون بذلك ولا يفطنون إليه ، لتمادى غفلتهم ، وتكامل حماقتهم
[ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ] أي فى قلوبهم شك ونفاق ، فزادهم الله رجساً فوق رجسهم ، وضلالا فوق ضلالهم ، والجملة دعائية ، قال ابن أسلم : هذا مرض فى الدين ، وليس مرضا فى الجسد ، وهو الشك الذى دخلهم فى الإسلام ، فزادهم الله رجسا وشكا
[ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ] أي ولهم عذاب مؤلم بسبب كذبهم في دعوى الإيمان ، واستهزائهم بآيات الرحمن.
ثم شرع تعالى في بيان قبائحهم ، وأحوالهم الشنيعة فقال :
[ وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض ] أي وإذا قال لهم بعض المؤمنين : لا تسعوا في الأرض بالإفساد بإثارة الفتن ، والكفر والصد عن سبيل الله ، قال ابن مسعود : الفساد فى الأرض الكفر ، والعمل بالمعصية ، فمن عصى الله فقد أفسد فى الأرض
[ قالوا إنما نحن مصلحون ] أي ليس شأننا الإفساد أبداً ، وإنما نحن أناس مصلحون ، نسعى للخير والصلاح ، فلا يصح مخاطبتنا بذلك ، قال البيضاوي : تصوروا الفساد بصورة الصلاح ، لما فى قلوبهم من المرض فكانوا كمن قال الله فيهم (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) ولذلك رد الله عليهم أبلغ رد ، بتصدير الجملة بحرفي التأكيد [ ألا ] المنبهة ، و[ إن ] المقررة ، وتعريف الخبر ، وتوسيط الفصل ، والاستدراك بعدم الشعور فقال :
[ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ] أي ألا فانتبهوا أيها الناس ، إنهم هم المفسدون حقاً لا غيرهم ، ولكن لا يفطنون ولا يحسون ، لانطماس نور الإيمان فى قلوبهم
[ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ] أي وإذا قيل للمنافقين : آمنوا إيمانا صادقا ، لا يشوبه نفاق ولا رياء ، كما آمن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، وأخلصوا فى إيمانكم وطاعتكم لله
[ قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ] ؟ الهمزة للإنكار مع السخرية والاستهزاء ، أي قالوا : أنؤمن كإيمان هؤلاء الجهلة ، أمثال " صهيب ، وعمار ، وبلال " ناقصي العقل والتفكير ؟! قال البيضاوي : وإنما سفهوهم لاعتقادهم فساد رأيهم ، أو لتحقير شأنهم ، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ، ومنهم موالى كصهيب ، وبلال
[ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ] أي ألا إنهم هم السفهاء ، حقاً ، لأن من ركب متن الباطل ، كان سفيهاً بلا امتراء ، ولكن لا يعلمون بحالهم فى الضلالة والجهل ، وذلك أبلغ فى العمى ، والبعد عن الهدى.. أكد ونبه وحصر السفاهة فيهم ، ثم قال تعالى منبهاً إلى مصانعتهم ونفاقهم
[ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ] أي وإذا رأوا المؤمنين وصادفوهم ، أظهروا لهم الإيمان والموالاة نفاقاً ومصانعة
[ وإذا خلوا إلى شياطينهم ] أي وإذا انفردوا ورجعوا إلى رؤسائهم وكبرائهم ، أهل الضلال والنفاق
[ قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون ] أي قالوا لهم نحن على دينكم ، وعلى مثل ما أنتم عليه من الاعتقاد ، وإنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإظهار الإيمان ، قال تعالى رداً عليهم :
[ الله يستهزئ بهم ] أي الله يجازيهم على استهزائهم بالإمهال ثم بالنكال.. قال ابن عباس : يسخر بهم للنقمة منهم ويملي لهم كقوله : [ وأملي لهم إن كيدي متين ] قال ابن كثير : هذا إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ، ومعاقبهم عقوبة الخداع ، فأخرج الخبر عن الجزاء مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه ، فاللفظ متفق والمعنى مختلف ، وإليه وجهوا كل ما في القرآن من نظائر مثل [ وجزاء سيئة سيئة مثلها ] ومثل [ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ] فالأول ظلم ، والثاني عدل
[ وما يشعرون ] أي ولا يحسون بذلك ولا يفطنون إليه ، لتمادى غفلتهم ، وتكامل حماقتهم
[ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ] أي فى قلوبهم شك ونفاق ، فزادهم الله رجساً فوق رجسهم ، وضلالا فوق ضلالهم ، والجملة دعائية ، قال ابن أسلم : هذا مرض فى الدين ، وليس مرضا فى الجسد ، وهو الشك الذى دخلهم فى الإسلام ، فزادهم الله رجسا وشكا
[ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ] أي ولهم عذاب مؤلم بسبب كذبهم في دعوى الإيمان ، واستهزائهم بآيات الرحمن.
ثم شرع تعالى في بيان قبائحهم ، وأحوالهم الشنيعة فقال :
[ وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض ] أي وإذا قال لهم بعض المؤمنين : لا تسعوا في الأرض بالإفساد بإثارة الفتن ، والكفر والصد عن سبيل الله ، قال ابن مسعود : الفساد فى الأرض الكفر ، والعمل بالمعصية ، فمن عصى الله فقد أفسد فى الأرض
[ قالوا إنما نحن مصلحون ] أي ليس شأننا الإفساد أبداً ، وإنما نحن أناس مصلحون ، نسعى للخير والصلاح ، فلا يصح مخاطبتنا بذلك ، قال البيضاوي : تصوروا الفساد بصورة الصلاح ، لما فى قلوبهم من المرض فكانوا كمن قال الله فيهم (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) ولذلك رد الله عليهم أبلغ رد ، بتصدير الجملة بحرفي التأكيد [ ألا ] المنبهة ، و[ إن ] المقررة ، وتعريف الخبر ، وتوسيط الفصل ، والاستدراك بعدم الشعور فقال :
[ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ] أي ألا فانتبهوا أيها الناس ، إنهم هم المفسدون حقاً لا غيرهم ، ولكن لا يفطنون ولا يحسون ، لانطماس نور الإيمان فى قلوبهم
[ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ] أي وإذا قيل للمنافقين : آمنوا إيمانا صادقا ، لا يشوبه نفاق ولا رياء ، كما آمن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، وأخلصوا فى إيمانكم وطاعتكم لله
[ قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ] ؟ الهمزة للإنكار مع السخرية والاستهزاء ، أي قالوا : أنؤمن كإيمان هؤلاء الجهلة ، أمثال " صهيب ، وعمار ، وبلال " ناقصي العقل والتفكير ؟! قال البيضاوي : وإنما سفهوهم لاعتقادهم فساد رأيهم ، أو لتحقير شأنهم ، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ، ومنهم موالى كصهيب ، وبلال
[ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ] أي ألا إنهم هم السفهاء ، حقاً ، لأن من ركب متن الباطل ، كان سفيهاً بلا امتراء ، ولكن لا يعلمون بحالهم فى الضلالة والجهل ، وذلك أبلغ فى العمى ، والبعد عن الهدى.. أكد ونبه وحصر السفاهة فيهم ، ثم قال تعالى منبهاً إلى مصانعتهم ونفاقهم
[ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ] أي وإذا رأوا المؤمنين وصادفوهم ، أظهروا لهم الإيمان والموالاة نفاقاً ومصانعة
[ وإذا خلوا إلى شياطينهم ] أي وإذا انفردوا ورجعوا إلى رؤسائهم وكبرائهم ، أهل الضلال والنفاق
[ قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون ] أي قالوا لهم نحن على دينكم ، وعلى مثل ما أنتم عليه من الاعتقاد ، وإنما نستهزئ بالقوم ونسخر منهم بإظهار الإيمان ، قال تعالى رداً عليهم :
[ الله يستهزئ بهم ] أي الله يجازيهم على استهزائهم بالإمهال ثم بالنكال.. قال ابن عباس : يسخر بهم للنقمة منهم ويملي لهم كقوله : [ وأملي لهم إن كيدي متين ] قال ابن كثير : هذا إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ، ومعاقبهم عقوبة الخداع ، فأخرج الخبر عن الجزاء مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه ، فاللفظ متفق والمعنى مختلف ، وإليه وجهوا كل ما في القرآن من نظائر مثل [ وجزاء سيئة سيئة مثلها ] ومثل [ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ] فالأول ظلم ، والثاني عدل
[ ويمدهم فى طغيانهم يعمهون ] أي ويزيدهم – بطريق الإمهال
والترك – فى ضلالهم وكفرهم يتخبطون ويترددون حيارى ، لا يجدون إلى المخرج منه
سبيلا ، لأن الله طبع على قلوبهم وأعمى أبصارهم ، فلا يبصرون رشداً ، ولا يهتدون
سبيلا
[ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ] أي استبدلوا الكفر بالإيمان ، وأخذوا الضلالة ودفعوا ثمنها الهدى
[ فما ربحت تجارتهم ] أي ما ربحت صفقتهم فى هذه المعاوضة والبيع
[ وما كانوا مهتدين ] أي وما كانوا راشدين فى صنيعهم ذلك ، لأنهم خسروا سعادة الدارين.. ثم ضرب تعالى مثلين ، وضح فيهما خسارتهم الفادحة فقال :
[ مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً ] أى مثالهم فى نفاقهم وحالهم العجيبة فيه ، كحال شخص أوقد ناراً ليستدفئ بها ويستضئ ، فما اتقدت حتى انطفأت ، وتركته فى ظلام دامس ، وخوف شديد
[ فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ] أى فلما انارت المكان الذى حوله فابصر وامن ، واستانس بتلك النار المشعه المضيئه [ ذهب الله بنورهم ] اى أطفأها الله بالكلية ، فتلاشت النار وعدم النور
[ وتركهم فى ظلمات لا يبصرون ] أي وأبقاهم فى ظلمات كثيفة ، وخوف شديد ، يتخبطون فلا يهتدون ، قال ابن كثير : ضرب الله للمنافقين هذا المثل ، فشبههم فى اشترائهم الضلالة بالهدى ، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى ، بمن استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها ، واستأنس بها وأبصر ما عن يمينه وشماله. فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره ، وصار فى ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدى ، فكذلك هؤلاء المنافقون فى استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى ، واستحبابهم الغي عن الرشد ، وفى هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ، ولذلك ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات الشك والكفر والنفاق لا يهتدون إلى سبيل خير ، ولا يعرفون طريق النجاة
[ صم ] أي هم كالصم لا يسمعون خيرا
[ بكم ] أي كالخرس لا يتكلمون بما ينفعهم
[ عمى ] أى كالعمى لا يبصرون الهدى ولا يتبعون سبيله
[ فهم لا يرجعون ] أي لا يرجعون عما هم فيه من الغي والضلال.. ثم ثنى تعالى بتمثيل آخر لهم ، زيادة فى الكشف والإيضاح فقال :
[ أو كصيب من السماء ] أي أو مثلهم فى حيرتهم وترددهم كمثل قوم أصابهم مطر شديد ، أظلمت له الأرض ، وأرعدت له السماء ، مصحوب بالبرق والرعد والصواعق
[ فيه ظلمات ورعد وبرق ] أي فى ذلك السحاب ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطف
[ يجعلون أصابهم فى آذانهم من الصواعق ] أي يضعون رؤوس أصابعهم فى آذانهم لدفع خطر الصواعق ، وذلك من فرط الدهشة والفزع ، كأنهم يظنون أن ذلك ينجيهم
[ حذر الموت ] أى خشية الموت من تلك الصواعق المدمرة
[ والله محيط بالكافرين ] جملة اعتراضية أي والله تعالى محيط بهم بقدرته ، وهم تحت إرادته ومشيئته لا يفوتونه ، كما لا يفوت من أحاط به الأعداء من كل جانب
[ يكاد البرق يخطف أبصارهم ] أي يقارب البرق لشدته وقوته وكثرة لمعانه ، أن يذهب بأبصارهم فيأخذها بسرعة
[ كلما أضاء لهم مشوا فيه ] أي كلما أنار لهم البرق الطريق مشوا فى ضوئه
[ وإذا أظلم عليهم قاموا ] أي وإذا اختفى البرق وفتر لمعانه ، وقفوا عن السير وثبتوا فى مكانهم.. وفي هذا تصوير لما هم فيه من غاية التحير والجهل ، فإذا صادفوا من البرق لمعة – مع خوفهم أن يخطف أبصارهم – انتهزوها فرصة فخطوا خطوات يسيرة ، وإذا خفي وفتر لمعانه وقفوا عن السير ، وثبتوا فى أماكنهم خشية التردى فى حفرة
[ ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ] أي لو أراد الله لزاد فى قصف الرعد ، فأصمهم وذهب بأسماعهم ، وفى ضوء البرق فأعماهم وذهب بأبصارهم
[ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ] أي استبدلوا الكفر بالإيمان ، وأخذوا الضلالة ودفعوا ثمنها الهدى
[ فما ربحت تجارتهم ] أي ما ربحت صفقتهم فى هذه المعاوضة والبيع
[ وما كانوا مهتدين ] أي وما كانوا راشدين فى صنيعهم ذلك ، لأنهم خسروا سعادة الدارين.. ثم ضرب تعالى مثلين ، وضح فيهما خسارتهم الفادحة فقال :
[ مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً ] أى مثالهم فى نفاقهم وحالهم العجيبة فيه ، كحال شخص أوقد ناراً ليستدفئ بها ويستضئ ، فما اتقدت حتى انطفأت ، وتركته فى ظلام دامس ، وخوف شديد
[ فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ] أى فلما انارت المكان الذى حوله فابصر وامن ، واستانس بتلك النار المشعه المضيئه [ ذهب الله بنورهم ] اى أطفأها الله بالكلية ، فتلاشت النار وعدم النور
[ وتركهم فى ظلمات لا يبصرون ] أي وأبقاهم فى ظلمات كثيفة ، وخوف شديد ، يتخبطون فلا يهتدون ، قال ابن كثير : ضرب الله للمنافقين هذا المثل ، فشبههم فى اشترائهم الضلالة بالهدى ، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى ، بمن استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها ، واستأنس بها وأبصر ما عن يمينه وشماله. فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره ، وصار فى ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدى ، فكذلك هؤلاء المنافقون فى استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى ، واستحبابهم الغي عن الرشد ، وفى هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ، ولذلك ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات الشك والكفر والنفاق لا يهتدون إلى سبيل خير ، ولا يعرفون طريق النجاة
[ صم ] أي هم كالصم لا يسمعون خيرا
[ بكم ] أي كالخرس لا يتكلمون بما ينفعهم
[ عمى ] أى كالعمى لا يبصرون الهدى ولا يتبعون سبيله
[ فهم لا يرجعون ] أي لا يرجعون عما هم فيه من الغي والضلال.. ثم ثنى تعالى بتمثيل آخر لهم ، زيادة فى الكشف والإيضاح فقال :
[ أو كصيب من السماء ] أي أو مثلهم فى حيرتهم وترددهم كمثل قوم أصابهم مطر شديد ، أظلمت له الأرض ، وأرعدت له السماء ، مصحوب بالبرق والرعد والصواعق
[ فيه ظلمات ورعد وبرق ] أي فى ذلك السحاب ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطف
[ يجعلون أصابهم فى آذانهم من الصواعق ] أي يضعون رؤوس أصابعهم فى آذانهم لدفع خطر الصواعق ، وذلك من فرط الدهشة والفزع ، كأنهم يظنون أن ذلك ينجيهم
[ حذر الموت ] أى خشية الموت من تلك الصواعق المدمرة
[ والله محيط بالكافرين ] جملة اعتراضية أي والله تعالى محيط بهم بقدرته ، وهم تحت إرادته ومشيئته لا يفوتونه ، كما لا يفوت من أحاط به الأعداء من كل جانب
[ يكاد البرق يخطف أبصارهم ] أي يقارب البرق لشدته وقوته وكثرة لمعانه ، أن يذهب بأبصارهم فيأخذها بسرعة
[ كلما أضاء لهم مشوا فيه ] أي كلما أنار لهم البرق الطريق مشوا فى ضوئه
[ وإذا أظلم عليهم قاموا ] أي وإذا اختفى البرق وفتر لمعانه ، وقفوا عن السير وثبتوا فى مكانهم.. وفي هذا تصوير لما هم فيه من غاية التحير والجهل ، فإذا صادفوا من البرق لمعة – مع خوفهم أن يخطف أبصارهم – انتهزوها فرصة فخطوا خطوات يسيرة ، وإذا خفي وفتر لمعانه وقفوا عن السير ، وثبتوا فى أماكنهم خشية التردى فى حفرة
[ ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ] أي لو أراد الله لزاد فى قصف الرعد ، فأصمهم وذهب بأسماعهم ، وفى ضوء البرق فأعماهم وذهب بأبصارهم
[ إن الله على كل شئ قدير ] أي إنه تعالى قادر على كل شئ ،
لا يعجزه أحد فى الأرض ولا فى السماء ، قال ابن جرير : إنما وصف تعالى نفسه
بالقدرة على كل شئ فى هذا الموضع ، لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته ، وأخبرهم أنه
بهم محيط ، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قادر.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلى :
أولا : المبالغة فى تكذيب المنافقين فى دعوى الإيمان [ وما هم بمؤمنين ] وكان الأصل أن يقول : " وما آمنوا " ليطابق قوله [ من يقول آمنا ] ولكنه عدل عن الفعل إلى الاسم ، لإخراج ذواتهم من عداد المؤمنين ، وأكده بالباء للمبالغة فى نفي الإيمان عنهم.
ثانياً : الاستعارة التمثيلية [ يخادعون الله ] شبه حالهم مع ربهم فى إظهار الإيمان وإخفاء الكفر ، بحال رعية تخادع الملك ، واستعير اسم المشبه به للمشبه بطريق الاستعارة ، أى يعملون عمل المخادع الذى يضحك على نفسه.
ثالثا : صيغة القصر [ إنما نحن مصلحون ] وهذا من نوع " قصر الموصوف على الصفة " أى نحن مصلحون ليس إلا.
رابعا : الكناية اللطيفة [ فى قلوبهم مرض ] المرض فى الأجسام حقيقة وقد كنى به عن النفاق لأن المرض فساد للبدن ، والنفاق فساد للقلب.
خامسا : تنويع التأكيد [ ألا إنهم هم المفسدون ] جاءت الجملة مؤكدة بأربع تأكيدات [ ألا ] التى تفيد التنبيه ، و[ إن ] التى هى للتأكيد ، وضمير الفصل [ هم ] ثم تعريف الخبر [ المفسدون ] ومثلها فى التأكيد [ ألا إنهم هم السفهاء ] وهذا رد من الله تعالى بأبلغ رد وأحكمه.
سادسا : المشاكلة
[ الله يستهزئ بهم ] سمى الجزاء على الاستهزاء استهزاء بطريق (المشاكلة) وهى الاتفاق فى اللفظ ، مع الاختلاف فى المعنى.
سابعاً : الاستعارة التصريحية [ اشتروا الضلالة بالهدى ] المراد استبدلوا الغي بالرشاد ، والكفر بالإيمان ، فخسرت صفقتهم ولم تربح تجارتهم ، فاستعار لفظ الشراء للاستبدال ثم زاده توضيحاً بقوله : [ فما ربحت تجارتهم ] وهذا هو الترشيح الذى يبلغ بالاستعارة الذروة العليا من البيان.
ثامنا : التشبيه التمثيلى [ مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ] وكذلك فى [ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ] شبه فى المثال الأول المنافق بالمستوقد للنار ، وإظهاره الإيمان بالإضاءة ، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار ، وفى المثال الثانى شبه الإسلام بالمطر ، لأن القلوب تحيا به كحياة الأرض بالماء ، وشبه شبهات الكفار بالظلمات ، وما فى القرآن من الوعد والوعيد بالرعد والبرق... الخ ((قال الفخر الرازي : والتشبيه ههنا فى غاية الصحة ، لأنهم بإيمانهم أولا اكتسبوا نورا ، ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك النور ، ووقعوا فى حيرة عظيمة ، لأنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين ، لخسران نفسه أبد الآبدين)).
تاسعاً : التشبيه البليغ [ صم بكم عمي ] أي هم كالصم ، وكالبكم وكالعمى ، في عدم الاستفادة من هذه الحواس ، حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغا ، كقول القائل : هو بدر ، وقول الشاعر :
كأنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهم كوكب
عاشرا : المجاز المرسل [ يجعلون أصابعهم فى آذانهم ] وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، أى رؤوس أصابعهم ، لأن دخول الأصبع كلها فى الأذن لا يمكن ، ففيه مجاز بالجزئية.
الحادى عشر : توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات ، وهذا له وقع فى الأذن حسن ، وأثر فى النفس رائع ، مثل [ بما كانوا يكذبون ] [ إنما نحن مصلحون ] [ ويمدهم فى طغيانهم يعمهون ] إلخ وهو من المحسنات البديعية.
الفوائد :
الأولى : الغاية من ضرب المثل : تقريب البعيد ، وتوضيح الغامض حتى يصبح كالأمر المشاهد المحسوس ، وللأمثال تأثير عجيب فى النفس ، كما قال تعالى [ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ]
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلى :
أولا : المبالغة فى تكذيب المنافقين فى دعوى الإيمان [ وما هم بمؤمنين ] وكان الأصل أن يقول : " وما آمنوا " ليطابق قوله [ من يقول آمنا ] ولكنه عدل عن الفعل إلى الاسم ، لإخراج ذواتهم من عداد المؤمنين ، وأكده بالباء للمبالغة فى نفي الإيمان عنهم.
ثانياً : الاستعارة التمثيلية [ يخادعون الله ] شبه حالهم مع ربهم فى إظهار الإيمان وإخفاء الكفر ، بحال رعية تخادع الملك ، واستعير اسم المشبه به للمشبه بطريق الاستعارة ، أى يعملون عمل المخادع الذى يضحك على نفسه.
ثالثا : صيغة القصر [ إنما نحن مصلحون ] وهذا من نوع " قصر الموصوف على الصفة " أى نحن مصلحون ليس إلا.
رابعا : الكناية اللطيفة [ فى قلوبهم مرض ] المرض فى الأجسام حقيقة وقد كنى به عن النفاق لأن المرض فساد للبدن ، والنفاق فساد للقلب.
خامسا : تنويع التأكيد [ ألا إنهم هم المفسدون ] جاءت الجملة مؤكدة بأربع تأكيدات [ ألا ] التى تفيد التنبيه ، و[ إن ] التى هى للتأكيد ، وضمير الفصل [ هم ] ثم تعريف الخبر [ المفسدون ] ومثلها فى التأكيد [ ألا إنهم هم السفهاء ] وهذا رد من الله تعالى بأبلغ رد وأحكمه.
سادسا : المشاكلة
[ الله يستهزئ بهم ] سمى الجزاء على الاستهزاء استهزاء بطريق (المشاكلة) وهى الاتفاق فى اللفظ ، مع الاختلاف فى المعنى.
سابعاً : الاستعارة التصريحية [ اشتروا الضلالة بالهدى ] المراد استبدلوا الغي بالرشاد ، والكفر بالإيمان ، فخسرت صفقتهم ولم تربح تجارتهم ، فاستعار لفظ الشراء للاستبدال ثم زاده توضيحاً بقوله : [ فما ربحت تجارتهم ] وهذا هو الترشيح الذى يبلغ بالاستعارة الذروة العليا من البيان.
ثامنا : التشبيه التمثيلى [ مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ] وكذلك فى [ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ] شبه فى المثال الأول المنافق بالمستوقد للنار ، وإظهاره الإيمان بالإضاءة ، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار ، وفى المثال الثانى شبه الإسلام بالمطر ، لأن القلوب تحيا به كحياة الأرض بالماء ، وشبه شبهات الكفار بالظلمات ، وما فى القرآن من الوعد والوعيد بالرعد والبرق... الخ ((قال الفخر الرازي : والتشبيه ههنا فى غاية الصحة ، لأنهم بإيمانهم أولا اكتسبوا نورا ، ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك النور ، ووقعوا فى حيرة عظيمة ، لأنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين ، لخسران نفسه أبد الآبدين)).
تاسعاً : التشبيه البليغ [ صم بكم عمي ] أي هم كالصم ، وكالبكم وكالعمى ، في عدم الاستفادة من هذه الحواس ، حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغا ، كقول القائل : هو بدر ، وقول الشاعر :
كأنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهم كوكب
عاشرا : المجاز المرسل [ يجعلون أصابعهم فى آذانهم ] وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، أى رؤوس أصابعهم ، لأن دخول الأصبع كلها فى الأذن لا يمكن ، ففيه مجاز بالجزئية.
الحادى عشر : توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات ، وهذا له وقع فى الأذن حسن ، وأثر فى النفس رائع ، مثل [ بما كانوا يكذبون ] [ إنما نحن مصلحون ] [ ويمدهم فى طغيانهم يعمهون ] إلخ وهو من المحسنات البديعية.
الفوائد :
الأولى : الغاية من ضرب المثل : تقريب البعيد ، وتوضيح الغامض حتى يصبح كالأمر المشاهد المحسوس ، وللأمثال تأثير عجيب فى النفس ، كما قال تعالى [ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ]
الثالثة : حكمة كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين ، مع أنهم كفار وعلمه (صلى الله عليه وسلم) بأعيان بعضهم ، ما أخرجه البخاري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لعمر : " أكره أن يحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه " .
لطيفة :
قال العلامة ابن القيم : تأمل قوله تعالى [ ذهب الله بنورهم ] ولم يقل : " ذهب الله بنارهم " مع أنه مقتضى السياق ليطابق أول الآية [ استوقد نارا ] فإن النار فيها إشراق وإحراق ، فذهب الله بما فيها من الإشراق وهو " النور " وأبقى ما فيها من الإحراق وهو " النارية " !! وتأمل كيف قال : [ بنورهم ] ولم يقل بضوئهم ، لأن الضوء زيادة فى النور ، فلو قيل : (ذهب الله بضوئهم) لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل!! وتأمل كيف قال : [ ذهب الله بنورهم ] فوحد النور ثم قال : [ وتركهم فى ظلمات ] فجمعها ، فإن الحق واحد ، هو (صراط الله المستقيم) ، الذى لا صراط يوصل سواه ، بخلاف طرق الباطل ، فإنها متعددة ومتشعبة ، ولهذا أفرد سبحانه " الحق " وجمع " الباطل " فى آيات عديدة مثل قوله تعالى : [ يخرجونهم من الظلمات إلى النور ] وقوله : [ وجعل الظلمات والنور ] وقوله : [ وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ] فجمع سبل الباطل ، ووحد سبيل الحق.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء