قال الله تعالى : [ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيبا.. إلى .. لفي
شقاق بعيد ] سورة البقرة من آية (168) إلى نهاية آية (176).
المناسبة :
لما بين تعالى التوحيد ودلائله ، وما للمؤمنين المتقين والكفرة العاصين ، اتبع
ذلك بذكر إنعامه على الكافر والمؤمن ، ليدل على أن الكفر لا يؤثر في قطع
الإنعام ، لأنه تعالى رب العالمين ، فإحسانه عام لجميع الأنام ، دون تمييز بين
مؤمن وكافر ، وبر وفاجر ، ثم دعا المؤمنين الى شكر المنعم جل وعلا ، والأكل من
الطيبات التي أباحها الله ، واجتناب ما حرمه الله من أنواع الخبائث.
اللغة :
[ خطوات الشيطان ] جمع خطوة وهي في الأصل ما بين القدمين عند المشي ، وتستعمل
مجازاً في تتبع الآثار
[ السوء ] ما يسوء الإنسان أي يحزنه ويطلق على المعصية قولا أو فعلاً أو اعتقادا
لأنها تسوء صاحبها أي تحزنه في الحال أو المآل
[ الفحشاء ] ما يستعظم ويستفحش من المعاصي فهي أقبح أنواع المعاصي
[ ألفينا ] وجدنا ومنه قوله سبحانه : [ وألفينا سيدها لدى الباب ] [ إنهم ألفوا
آباءهم ضالين ] أي وجدوا
[ ينعق ] يصيح يقال : نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا إذا صاح بها وزجرها ، قال
الأخطل : فانعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا
[ أهل ] الإهلال : رفع الصوت يقال : أهل المحرم إذا رفع صوته بالتلبية ، ومنه إهلال
الصبي وهو صياحه عند الولادة ، وكان المشركون إذا ذبحوا ذكروا اللات والعزى ،
ورفعوا بذلك أصواتهم
[ أضطر ] ألجئ أي ألجأته الضرورة إلى الأكل من المحرمات
[ باغ ولا عاد ] الباغي من البغي ، والعادي من العدوان ، وهما بمعنى الظلم وتجاوز
الحد
[ يزكيهم ] يطهرهم من التزكية وهي التطهير
[ شقاق ] الشقاق : الخلاف والعداوة ، بحيث يكون كل واحد في شق أي طرف.
التفسير :
[ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ] الخطاب عام لجميع البشر ، أي كلوا
مما أحله الله لكم من الطيبات ، حال كونه مستطابا في نفسه ، غير ضار بالأبدان
والعقول
[ ولا تتبعوا خطوات الشيطان ] أي لا تقتدوا بآثار الشيطان ،
فيما يزينه لكم من
المعاصي والفواحش
[ إنه لكم عدو مبين ] أي إنه عظيم العداوة لكم ، وعداوته ظاهرة لا تخفى على عاقل
[ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء ] أي لا يأمركم الشيطان بما فيه خير ، إنما يأمركم
بالمعاصي والمنكرات ، وما تناهى في القبح من الرذائل
[ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ] أي وأن تفتروا على الله بتحريم ما أحل لكم ،
وتحليل ما حرم عليكم ، فتحلوا وتحرموا من تلقاء أنفسكم
[ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ] أي وإذا قيل للمشركين اتبعوا ما أنزل الله
على رسوله من الوحي والقرآن ، واتركوا ما أنتم عليه من الضلال والجهل
[ قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ] أي بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، قال
تعالى فى الرد عليهم :
[ أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ] أي أيتبعون آباءهم ولو كانوا
سفهاء أغبياء ، ليس لهم عقل يردعهم عن الشر ، ولا بصيرة تنير لهم الطريق ؟
والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، والتعجيب من حالهم ، في تقليدهم الأعمى للآباء..
ثم ضرب تعالى مثلا للكافرين في غاية الوضوح والجلاء فقال تعالى :
[ ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ] أي ومثل الكفار
في عدم انتفاعهم بالقرآن وحججه الساطعة ، ومثل من يدعوهم إلى الهدى ، كمثل الراعي
الذي يصيح بغنمه ويزجرها ، فهي تسمع الصوت والنداء ، دون أن تفهم الكلام والمراد ،
أو تدرك المعنى الذي يقال لها ، فهؤلاء الكفار كالدواب السارحة ، لا يفهمون ما
تدعوهم إليه ولا يفقهون ، يسمعون القرآن ويصمون عنه الآذان [ إن هم إلا كالأنعام
بل هم أضل سبيلا ] ولهذا قال تعالى :
[ صم بكم عمي فهم لا يعقلون ] أي صم عن سماع الحق ، بكم أي خرس عن النطق به ، عمي
عن رؤيته ، فهم لا يفقهون ما يقال لهم ، لأنهم أصبحوا كالدواب فهم في ضلالهم
يتخبطون .. وخلاصة المثل – والله أعلم – مثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه
ما يقول الراعي أكثر من سماع الصوت دون أن تفهم المعنى ، وهو خلاصة قول ابن عباس
[ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ] خاطب المؤمنين لأنهم الذين
ينتفعون بالتوجيهات الربانية ، والمعنى : كلوا يا أيها المؤمنون من المستلذات وما
طاب من الرزق الحلال الذي رزقكم الله إياه
[ واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ] أي واشكروا الله على نعمه التي لا تحصى ، إن
كنتم تخصونه بالعبادة ولا تعبدون أحدا سواه
[ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ] أي ما حرم عليكم إلا الخبائث ،
كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير
[ وما أهل به لغير الله ] أي وما ذبح للأصنام فذكر عليه اسم غير الله ، كقولهم :
باسم اللات باسم العزى
[ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ] أي فمن ألجأته ضرورة إلى أكل شيء من المحرمات ، بشرط
ألا يكون ساعيا فى فساد ، ولا متجاوزاً مقدار الحاجة
[ فلا إثم عليه ] أي فلا عقوبة عليه في الأكل
[ إن الله غفور رحيم ] أي يغفر الذنوب ويرحم العباد ، ومن رحمته أن أباح المحرمات
وقت الضرورة
[ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ] أي يخفون صفة النبى (صلى الله عليه وسلم) المذكورة في
التوراة وهم اليهود ، قال ابن عباس : نزلت فى رؤساء اليهود حين كتموا نعت النبي
(صلى الله عليه وسلم)
[ ويشترون به ثمنا قليلا ] أي يأخذون بدله عوضا حقيرا من حطام الدنيا
[ أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ] أي إنما يأكلون نارا تتأجج في بطونهم
يوم القيامة ، لأن أكل ذلك المال الحرام يفضي بهم إلى النار
[ ولا يكلمهم الله يوم القيامة ] أي لا يكلمهم كلام رضى كما يكلم المؤمنين ، بل
يكلمهم كلام غضب وسخط كقوله : [ اخسئوا فيها ولا تكلمون ]
[ ولا يزكيهم ] أي يطهرهم من دنس الذنوب
[ ولهم عذاب أليم ] أي عذاب مؤلم وهو عذاب جهنم
المعاصي والفواحش
[ إنه لكم عدو مبين ] أي إنه عظيم العداوة لكم ، وعداوته ظاهرة لا تخفى على عاقل
[ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء ] أي لا يأمركم الشيطان بما فيه خير ، إنما يأمركم
بالمعاصي والمنكرات ، وما تناهى في القبح من الرذائل
[ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ] أي وأن تفتروا على الله بتحريم ما أحل لكم ،
وتحليل ما حرم عليكم ، فتحلوا وتحرموا من تلقاء أنفسكم
[ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ] أي وإذا قيل للمشركين اتبعوا ما أنزل الله
على رسوله من الوحي والقرآن ، واتركوا ما أنتم عليه من الضلال والجهل
[ قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ] أي بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، قال
تعالى فى الرد عليهم :
[ أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ] أي أيتبعون آباءهم ولو كانوا
سفهاء أغبياء ، ليس لهم عقل يردعهم عن الشر ، ولا بصيرة تنير لهم الطريق ؟
والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، والتعجيب من حالهم ، في تقليدهم الأعمى للآباء..
ثم ضرب تعالى مثلا للكافرين في غاية الوضوح والجلاء فقال تعالى :
[ ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ] أي ومثل الكفار
في عدم انتفاعهم بالقرآن وحججه الساطعة ، ومثل من يدعوهم إلى الهدى ، كمثل الراعي
الذي يصيح بغنمه ويزجرها ، فهي تسمع الصوت والنداء ، دون أن تفهم الكلام والمراد ،
أو تدرك المعنى الذي يقال لها ، فهؤلاء الكفار كالدواب السارحة ، لا يفهمون ما
تدعوهم إليه ولا يفقهون ، يسمعون القرآن ويصمون عنه الآذان [ إن هم إلا كالأنعام
بل هم أضل سبيلا ] ولهذا قال تعالى :
[ صم بكم عمي فهم لا يعقلون ] أي صم عن سماع الحق ، بكم أي خرس عن النطق به ، عمي
عن رؤيته ، فهم لا يفقهون ما يقال لهم ، لأنهم أصبحوا كالدواب فهم في ضلالهم
يتخبطون .. وخلاصة المثل – والله أعلم – مثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه
ما يقول الراعي أكثر من سماع الصوت دون أن تفهم المعنى ، وهو خلاصة قول ابن عباس
[ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ] خاطب المؤمنين لأنهم الذين
ينتفعون بالتوجيهات الربانية ، والمعنى : كلوا يا أيها المؤمنون من المستلذات وما
طاب من الرزق الحلال الذي رزقكم الله إياه
[ واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ] أي واشكروا الله على نعمه التي لا تحصى ، إن
كنتم تخصونه بالعبادة ولا تعبدون أحدا سواه
[ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ] أي ما حرم عليكم إلا الخبائث ،
كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير
[ وما أهل به لغير الله ] أي وما ذبح للأصنام فذكر عليه اسم غير الله ، كقولهم :
باسم اللات باسم العزى
[ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ] أي فمن ألجأته ضرورة إلى أكل شيء من المحرمات ، بشرط
ألا يكون ساعيا فى فساد ، ولا متجاوزاً مقدار الحاجة
[ فلا إثم عليه ] أي فلا عقوبة عليه في الأكل
[ إن الله غفور رحيم ] أي يغفر الذنوب ويرحم العباد ، ومن رحمته أن أباح المحرمات
وقت الضرورة
[ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ] أي يخفون صفة النبى (صلى الله عليه وسلم) المذكورة في
التوراة وهم اليهود ، قال ابن عباس : نزلت فى رؤساء اليهود حين كتموا نعت النبي
(صلى الله عليه وسلم)
[ ويشترون به ثمنا قليلا ] أي يأخذون بدله عوضا حقيرا من حطام الدنيا
[ أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ] أي إنما يأكلون نارا تتأجج في بطونهم
يوم القيامة ، لأن أكل ذلك المال الحرام يفضي بهم إلى النار
[ ولا يكلمهم الله يوم القيامة ] أي لا يكلمهم كلام رضى كما يكلم المؤمنين ، بل
يكلمهم كلام غضب وسخط كقوله : [ اخسئوا فيها ولا تكلمون ]
[ ولا يزكيهم ] أي يطهرهم من دنس الذنوب
[ ولهم عذاب أليم ] أي عذاب مؤلم وهو عذاب جهنم
[ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ] أي أخذوا الضلالة
بدل الهدى والكفر بدل
الإيمان
[ والعذاب بالمغفرة ] أي واستبدلوا الجحيم بالجنة
[ فما أصبرهم على النار ] أي ما أشد صبرهم على نار جهنم ؟ وهو تعجيب للمؤمنين من
جراءة أولئك الكفار ، على اقتراف أنواع المعاصي ، ثم قال تعالى مبينا سبب النكال
والعذاب
[ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ] أي ذلك العذاب الأليم بسبب أن الله أنزل كتابه
التوراة ببيان الحق فكتموا وحرفوا ما فيه
[ وإن الذين اختلفوا في الكتاب ] أي اختلفوا في تأويله وتحريفه
[ لفي شقاق بعيد ] أي في خلاف بعيد عن الحق والصواب ، مستوجب لأشد العذاب.
سبب النزول :
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية فى رؤساء اليهود : كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ،
وحيي بن أخطب كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا ، فلما بعث محمد عليه السلام
خافوا انقطاع تلك المنافع فكتموا أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) والبشارة به ، في سبيل حطام
الدنيا ، فنزلت [ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب.. ] الآية.
البلاغة :
1- [ خطوات الشيطان ] استعارة عن الاقتداء به واتباع آثاره قال في تلخيص البيان :
وهي أبلغ عبارة عن التحذير من طاعته فيما يأمر به وقبول قوله فيما يدعو إلي
فعله.
2- [ السوء والفحشاء ] هو من باب " عطف الخاص على العام " لأن السوء يتناول جميع
المعاصي ، والفحشاء أقبح وأفحش المعاصي ، خصت بالذكر لخطرها.
3- [ ومثل الذين كفروا ] فيه تشبيه (مرسل ومجمل) مرسل لذكر الأداة ومجمل لحذف وجه
الشبه ، فقد شبه الكفار بالبهائم التى تسمع صوت المنادي دون أن تفقه كلامه وتعرف
مراده.
4- [ صم بكم عمي ] حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فهو " تشبيه بليغ " أي هم كالصم في عدم سماع الحق ، وكالعمي في عدم رؤية الهدى ، وكالبكم في عدم الانتفاع بنور
القرآن.
5- [ ما يأكلون في بطونهم إلا النار ] مجاز مرسل باعتبار ما يؤول إليه إنما
يأكلون المال الحرام الذي يفضي بهم إلى النار وقوله : [ في بطونهم ] زيادة تشنيع
وتقبيح لحالهم ، وتصويرهم بمن يتناول رضف جهنم ، وذلك أفظع سماعا وأشد إيجاعاً.
6- [ اشتروا الضلالة بالهدى ] استعارة والمراد استبدلوا الكفر بالإيمان ، شبه
تعالى تركهم الإيمان وأخذهم الكفر ، بإنسان اشترى بضاعة ، فدفع فيها ثمنا كبيرا ،
ثم ذهبت التجارة وعظمت الخسارة ، فأصبح من النادمين.
الفوائد :
الأولى : عن ابن عباس قال : تليت هذه الآية عند النبى (صلى الله عليه وسلم) [ يا أيها الناس كلوا
مما في الأرض حلالا طيبا ] فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله : (ادع الله
أن يجعلني مستجاب الدعوة! فقال يا سعد : أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ، ما يتقبل الله منه أربعين
يوما ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به).
الثانية : قال بعض السلف : " يدخل في اتباع خطوات الشيطان كل معصية لله ، وكل نذر
في المعاصي ، قال الشعبي : نذر رجل أن ينحر ابنه فأفتاه مسروق بذبح كبش ، وقال :
هذا من خطوات الشيطان.
الثالثة : قال ابن القيم في أعلام الموقعين عن قوله تعالى : [ ومثل الذين كفروا
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ] قال : لك أن تجعل هذا من التشبيه
المركب ، وأن تجعله من التشبيه المفرق ، فإن جعلته من المركب كان تشبيها للكفار –
في عدم فقههم وانتفاعهم – بالغنم التي ينعق بها الراعي فلا تفقه من قوله شيئا
غير الصوت المجرد الذي هو الدعاء والنداء ، وإن جعلته من التشبيه المفرق : فالذين
كفروا بمنزلة البهائم ، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها ،
ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النعق ، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم
مجرد صوت الناعق والله أعلم.
الإيمان
[ والعذاب بالمغفرة ] أي واستبدلوا الجحيم بالجنة
[ فما أصبرهم على النار ] أي ما أشد صبرهم على نار جهنم ؟ وهو تعجيب للمؤمنين من
جراءة أولئك الكفار ، على اقتراف أنواع المعاصي ، ثم قال تعالى مبينا سبب النكال
والعذاب
[ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ] أي ذلك العذاب الأليم بسبب أن الله أنزل كتابه
التوراة ببيان الحق فكتموا وحرفوا ما فيه
[ وإن الذين اختلفوا في الكتاب ] أي اختلفوا في تأويله وتحريفه
[ لفي شقاق بعيد ] أي في خلاف بعيد عن الحق والصواب ، مستوجب لأشد العذاب.
سبب النزول :
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية فى رؤساء اليهود : كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ،
وحيي بن أخطب كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا ، فلما بعث محمد عليه السلام
خافوا انقطاع تلك المنافع فكتموا أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) والبشارة به ، في سبيل حطام
الدنيا ، فنزلت [ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب.. ] الآية.
البلاغة :
1- [ خطوات الشيطان ] استعارة عن الاقتداء به واتباع آثاره قال في تلخيص البيان :
وهي أبلغ عبارة عن التحذير من طاعته فيما يأمر به وقبول قوله فيما يدعو إلي
فعله.
2- [ السوء والفحشاء ] هو من باب " عطف الخاص على العام " لأن السوء يتناول جميع
المعاصي ، والفحشاء أقبح وأفحش المعاصي ، خصت بالذكر لخطرها.
3- [ ومثل الذين كفروا ] فيه تشبيه (مرسل ومجمل) مرسل لذكر الأداة ومجمل لحذف وجه
الشبه ، فقد شبه الكفار بالبهائم التى تسمع صوت المنادي دون أن تفقه كلامه وتعرف
مراده.
4- [ صم بكم عمي ] حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فهو " تشبيه بليغ " أي هم كالصم في عدم سماع الحق ، وكالعمي في عدم رؤية الهدى ، وكالبكم في عدم الانتفاع بنور
القرآن.
5- [ ما يأكلون في بطونهم إلا النار ] مجاز مرسل باعتبار ما يؤول إليه إنما
يأكلون المال الحرام الذي يفضي بهم إلى النار وقوله : [ في بطونهم ] زيادة تشنيع
وتقبيح لحالهم ، وتصويرهم بمن يتناول رضف جهنم ، وذلك أفظع سماعا وأشد إيجاعاً.
6- [ اشتروا الضلالة بالهدى ] استعارة والمراد استبدلوا الكفر بالإيمان ، شبه
تعالى تركهم الإيمان وأخذهم الكفر ، بإنسان اشترى بضاعة ، فدفع فيها ثمنا كبيرا ،
ثم ذهبت التجارة وعظمت الخسارة ، فأصبح من النادمين.
الفوائد :
الأولى : عن ابن عباس قال : تليت هذه الآية عند النبى (صلى الله عليه وسلم) [ يا أيها الناس كلوا
مما في الأرض حلالا طيبا ] فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله : (ادع الله
أن يجعلني مستجاب الدعوة! فقال يا سعد : أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ، ما يتقبل الله منه أربعين
يوما ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به).
الثانية : قال بعض السلف : " يدخل في اتباع خطوات الشيطان كل معصية لله ، وكل نذر
في المعاصي ، قال الشعبي : نذر رجل أن ينحر ابنه فأفتاه مسروق بذبح كبش ، وقال :
هذا من خطوات الشيطان.
الثالثة : قال ابن القيم في أعلام الموقعين عن قوله تعالى : [ ومثل الذين كفروا
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ] قال : لك أن تجعل هذا من التشبيه
المركب ، وأن تجعله من التشبيه المفرق ، فإن جعلته من المركب كان تشبيها للكفار –
في عدم فقههم وانتفاعهم – بالغنم التي ينعق بها الراعي فلا تفقه من قوله شيئا
غير الصوت المجرد الذي هو الدعاء والنداء ، وإن جعلته من التشبيه المفرق : فالذين
كفروا بمنزلة البهائم ، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها ،
ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النعق ، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم
مجرد صوت الناعق والله أعلم.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء